جاء في “الراي الكويتية”:
«على طريقة إذا أَرَدْتَ السلامَ عليك أن تستعدّ للحرب» بدتْ جولةُ التصعيدِ الأعنف التي أَلْهَبَتْ جبهةَ جنوب لبنان لساعاتٍ من دون أن يتمّ التعاطي معها على أنها «نيرانٌ سبّاقة» لمواجهةٍ كبرى تتعزّز مؤشراتُ أن «ساعةَ الصفر» لها ليست وشيكةً وربما… لن تدقّ أبدا.
فرغم الدخان الكثيف الذي أحدثه «الوابل الهائل» بأكثر من 200 صاروخ من مختلف العيارات و20 مسيّرة أطلقها «حزب الله» نهار أمس على شمال إسرائيل والجولان السوري المحتلّ مستهدفاً قواعد وتجمّعاتٍ عسكرية – رداً على اغتيال قائد «وحدة عزيز» محمد نعمة ناصر «أبو نعمة» – والقصف الاسرائيلي الواسع لبلدات لبنانية وخرْق جدار الصوت فوق بيروت، فإنّ التقييمَ بقيَ ثابتاً عند أن أي انفجار واسع لن يقع، أقله قبل منْح الموفد آموس هوكشتاين، الذي سيتحرّك بـ «قبعتين» واحدة أميركية وثانية فرنسية، فرصةَ إيجادِ أرضيةٍ ولو «انتقالية» لخَفْض التوتر العالي كمنطلقٍ لبحثٍ «على البارد» في تسويةٍ ترتكز على «تحديثٍ» أو تطويرٍ للقرار 1701، ويُراد أن تُفْضي إلى حل مستدام يتم إرساء «مظلة حماية» ثلاثية البُعد له، من ترتيباتٍ أمنية – عسكرية على المقلبيْن، واقتصادية وسياسية (الأزمة الرئاسية) في ما خص الواقع اللبناني حصراً.
الصدام مؤجل
وتعزّز الاقتناعُ بأنّ الصِدام مؤجَّلٌ، ولو في شكْله الأكثر ترجيحاً، أي عبر ما هو أكثر من أيامٍ قتالية محدودة وأقلّ من حرب كبرى – وهو ما سيتيح وفق اعتقاد اسرائيل فرْض إطفاء جبهة الجنوب «بالنار» – مع ملامحِ الانفراجةِ التي هبّتْ على مفاوضات التهدئة في غزة وإنجاز صفقة تبادل بين «حماس» واسرائيل، وسط تسريباتٍ عن قرب التوصل إلى اتفاق إطارٍ في هذا الشأن، وإن كانت الخشيةُ قائمةً من «شياطين التفاصيل» في المفاوضات التفصيلية لبلوغ اتفاقٍ روّجتْ تل ابيب بأن هناك تفاؤلاً بإمكان بلوغه خلال 3 أسابيع، مع الإضاءة على «تراجعات» قدّمتْها «حماس» وأبرزها عدم «طلب الالتزام من المرحلة الأولى، بإنهاء الحرب»، وأن التفاهم المطروح «يضمن إمكان عودة الحرب».
وفي حين بدا من المبكّر معرفة هل سيكون إعلان اسرائيل دخول المرحلة الثالثة من حرب غزة ما زال حاجةً، بحيث يكون الإطارَ المواكِب للمفاوضات حول تفاصيل الاتفاق المُراد إبرامه، فإن هذا «الوقت المستقطع» الذي تقف على أعتابه غزة، يجعل الأنظار تنصبّ بالتوازي على جبهة الجنوب وخصوصاً أن تسريع «التبريد» في غزة أدير بخلفيةِ تجنيب المنطقة برمّتها أن ينفجر «برميل البارود» على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية والذي تتمدّد الفتائل الموصولة به على مسرح عملياتٍ يضم اليمن والعراق وبالتأكيد إيران التي تخوض المواجهةَ على قاعدة مزدوجة لم تعُد خافية على واشنطن ولا تل أبيب:
أولها أن طهران ليست في وارد الانزلاق إلى حربٍ إقليمية أو توريط «حزب الله» في معركة «يا قاتل يا مقتول» مع إسرائيل.
وثانية يعّبر عنها اقتناعٌ لدى كثيرين بأنها حتى الساعة، أكثر المستفيدين من مجرياتِ «طوفان الأقصى» على مستوى تثبيت قدرة «محور الممانعة» على تحريك أذرعه و«مدّها» على ممرات مائية استراتيجية، وتكريس نفسها صاحبة «الحل والربط» انطلاقاً من «أزرار التفجير» التي تتحكّم بها ومعها بالدرجة الأولى والأقوى «حزب الله».
وتشير أوساط سياسية إلى أن «حزب الله» الذي سينتظر ما ستؤول إليه المفاوضاتُ التي تجددتْ على جبهة غزة قبل إعطاء أي موقف مما سيقوم به بحال بلوغ هدنة، وإن كان هذا الموقف معلَناً مسبَقاً وهو التماثل والتوازي في التهدئة، فإنّ ما يبقى غامضاً هو هل ستسلّم اسرائيل سلفاً بأن الهدنةَ في القطاع ستمتدّ من جانبها الى جبهة الجنوب ما لم تكن حصلتْ على ضماناتٍ بأن ثمة ولو استعداداً – وإن «بالأحرف الأولى» – للبحث في ترتيبات تتصل بـ «اليوم التالي» في لبنان وترتكز على استحالةِ العودة بالوضع على حدودها الشمالية الى الستاتيكو الذي سادها منذ 2006.
هوكشتاين
وهذا هو بالتحديد ما يعمل عليه هوكشتاين الذي من شأن اكتمال الانفراجة على جبهة غزة إعطاء دفْع لمهمته التي كان في الأساس عاوَدَ تفعيلها لملاقاة اتجاه تل أبيب لإعلان المرحلة الثالثة من الحرب في القطاع ساعياً لتخفيفٍ موازٍ لحدة المواجهات في جنوب لبنان تمهيداً لإطلاق مسار البحث المعمّق في الحل المستدام.
وبرز أمس على وهج «هبّة النار» من «حزب الله»، وقبل أن تنتهي زخات الصواريخ، حرصُ اسرائيل على تأكيد «أن التطورَ الحاصل على الحدود مع لبنان ما زال محدوداً وتحت السيطرة ولا ندخل إلى تصعيد لا يمكن ضبطه»، وذلك رغم حرائق تَسَبَّبَ بها قصف «حزب الله» والتقارير عن مقتل جندي في الجولان وجرح جنود اسرائيليين في الشمال نُقلوا إلى مستشفيات صفد وحيفا جواً، وما ذكره قريبون من «حزب الله» من أنه استهدف توربينات الطّاقة الخاصّة بالجيش الاسرائيلي شرق بحيرة طبريا، وما نُقل عن وسائل إعلام إسرائيلية لجهة «توقف حركة القطارات من حيفا إلى نهاريا بسبب الوضع الأمني».
وثمة مَن تعاطى مع «ضبْط النفس» الاسرائيلي النسبيّ قياساً للردّ الهائل، والذي لم ينتهِ من «حزب الله» على اغتيال قائده «ابو نعمة»، على أنه يتّصل من جهةٍ بالإصرار على ترْك فسحةٍ للمسار الديبلوماسي الذي يتولاه هوكشتاين، كما أنه يعكس من جهة أخرى إقراراً بأن الضربة التي سدّدها لـ «حزب الله» من البدهي أن يقابلها ردّ يوازيها، وسط اقتناعٍ لدى بعض الدوائر بأن مثل هذه الاغتيالات التي «تفاخر» بها تل أبيب تُبْعِد أكثر خيار الحرب وتتيح للقيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية الترويج لـ «إنجازات أمنية» تُغْني عن المواجهة المكلفة، أقله في المدى القريب.
الجبهة قوية ومشتعلة
من جهته، ورغم إعلان «حزب الله» في تشييع «أبو نعمة» أمس وبلسان رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين أنّ «الرد على اغتيال القائد أبو نعمة بدأ الاربعاء وسيستمرّ، وستبقى هذه الجبهة قوية ومشتعلة»، فإن أوساطاً عليمة تؤكد أن الحزب لم يبدّل في خياره الاستراتيجي القائم على أنه لن يبادر إلى توسيع الحرب خارج قواعد اشتباكٍ باتت مرسَّمة بخطوط حمر معروفة، وأنه وإن كان جاهزاً لكل الاحتمالات بحال فُرضت الحرب، فإنه يَعتبر أن سقوط قادة ميدانيين منه ومهما علا شأنهم هو جزء من المعركة ولا يتطلّب ما هو أبعد من ردّ موجع يحاول من خلاله استعادة الردع وتظهير المزيد من القدرات الحربية ولكن لدرء الحرب وليس لاستدراجها.
وكان «حزب الله» أعلن قبل الظهر أنه «نفّذ هجوماً جوياً بسرب من المسيرات الانقضاضية على مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة اييلايت، ومقر قيادة اللواء المدرع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة دادو، وقاعدة استخبارات المنطقة الشمالية ميشار، ومقر قيادة لواء حرمون 810 في ثكنة معاليه غولاني، والقاعدة الرئيسية الدائمة لفرقة 146 ايلانيا، ومقر لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا».
كما أكد في بيان آخَر أنه قصف «بأكثر من 200 صاروخ من مختلف الأنواع، مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة اييلايت، ومقر قيادة اللواء المدرع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقر قيادة كتيبة المدرعات التابع للواء السابع في ثكنة غاملا، ومقر قيادة الفرقة 210 (فرقة الجولان) في قاعدة نفح، ومقر فوج المدفعية التابع للفرقة 210 في ثكنة يردن»، علماً أنه نفّذ عمليات أخرى بصواريخ «بركان».
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إصابات خطيرة بين الجنود بعد استهداف آلية عسكرية بقصف من لبنان «وقد افيد عن مقتل احدهم»، فيما أشار الجيش الإسرائيلي الى «اندلاع حرائق في مناطق عدة في الشمال جراء عمليات اعتراض لصواريخ ومسيرات أطلقت من لبنان»، وسط تقارير عن إصابة مباشرة في عكا جراء سقوط شظايا صواريخ اعتراضية، إضافة إلى إصابة مباشرة لمبنيين في عكا وفي منطقة رجبا شمال المنطقة.
وأفادت «نجمة داود الحمراء» (الإسعاف) بإصابة سيدتين إسرائيليتين خلال فرارهما إلى منطقة محمية شمال إسرائيل، فيما أورد موقع «واينت» الإخباري الإسرائيلي أن 25 فريق إطفاء كانوا يشاركون بإخماد الحرائق في 10 مواقع في هضبة الجولان والجليل الأعلى بعد القصف العنيف من لبنان.
وبعدها أعلن الجيش الاسرائيلي أنّ «سلاح الجو بدأ يقصف منصات لإطلاق الصواريخ في جنوب لبنان وباشر بشنّ غارات على مواقع مختلفة في لبنان»، في حين سُجل قصف للعديد من البلدات وبينها في قضاء مرجعيون.
وأدى القصف على أطراف كفرشوبا لإصابة المواطنين أحمد غانم، «مراسل محطة الجزيرة»، وعلي الحاج جراء استهداف منزل الأول بقذيفة.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن غانم، وهو عضو مجلس بلدية كفرشوبا، أصيب بشظية في رأسه، والحاج بحروق في جسده.