كتب عمار نعمة في “اللواء”:
لا أفق لأي حل رئاسي في لبنان حاليا وعلى المدى المنظور وسط ترقب لما ستؤول إليه الحرب في غزة وما إذا كانت ستتوسع، علما انها قد تتخذ اشكالا أخرى حتى لو تم التوصل إلى تسوية يجري العمل عليها بكثافة هناك.
المفارقة هنا أن اللاعبين الكبيرين على ضفتي الانقسام السياسي اللبناني العميق، “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، لا يرغبان بحل رئاسي حتى تبدو دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار من باب لزوم ما لا يلزم ولعله يعلم هو نفسه عقمها.
لكن عند المعارضة ثمة رأي يتبناه من ليس لصيقا بالقوات يعتبر أن من المفيد إنجاح دعوة بري من دون تلبيتها من الجميع لتصبح فاعلة بمن حضر ومع تأمين نصاب كبير يؤمن شرعية ما لها. ثم بعد الأيام المرصودة للحوار يصبح لزاما على بري الدعوة إلى الجلسة الانتخابية المرتقبة ودوراتها المتتالية فيلبي الجميع الدعوة وتتمكن المعارضة من إيصال مرشح توافق عليه.
يتبنى هذا الرأي خاصة حزب “الكتائب” وعدد من النواب، لكنهم يشكلون أقلية ضمن المعارضة التي يُعد القواتيون رأس الحربة فيها وعامودها الأساس، وهم الذين يعتبرون أنهم تمكنوا من إفشال إيصال مرشح محور الممانعة لسليمان فرنجية، وهو إنجاز هام شاركهم فيه “التيار الوطني الحر”.
بالنسبة إلى رئيس التيار جبران باسيل فهو شرع في إنفتاحه الأخير على بري وقبوله مبدأ الحوار، للتخلص من فرنجية أولا ثم للتوافق مع الحزب وبري على مرشح خارج أسماء متداولة بكثرة مثل قائد الجيش جوزف عون وحتى جورج خوري الذي يرفضه مع باسيل خاصة الرئيس ميشال عون.
في الأثناء ينشط المدير العام للأمن العام بالوكالة الياس البيسري الذي يبدي باسيل تجاهه (في مجالسه الخاصة) غزلا وتأييدا، على خط القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة لتليين موقف رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع، ثم لتعزيز موقعه لدى المرجعية المسيحية الممثلة ببكركي، وبالتوازي تعزيز موقفه لدى ثنائي “حزب الله” وبري (والأخير يؤيده)..
على أنه من غير المفيد الولوج في أسماء المرشحين اليوم فالمعارضة تعلمت الدرس لعدم حرق مرشحها ومعظم اركانها يؤيدون قائد الجيش الذي يحظى بتأييد خارجي أميركي وخليجي، في الوقت الذي لا يحتاج فيه “حزب الله” وبري للفطنة في حفظ مرشحهم فرنجية في الوقت الذي يعلمان فيه تماما صعوبة وصوله لكنهما لا يرغبان في التخلي عنه في هذه اللحظة من الوقت المستقطع داخليا واقليميا.
وبينما يحضّر باسيل الأرضية للحظة الأولى لما بعد إنتهاء الحرب في غزة وطبعا في جنوبي لبنان، يبدو حال المعارضة منقسما على نفسه وسط تنافس على الظهور وعلى الزعامة. وتشتري المعارضة الوقت في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل على أمل عودة الجمهوري دونالد ترامب وانتعاش المحور العربي الذي لا يكن الكثير من الود للديموقراطيين (باستثناء قطر) في الولايات المتحدة الاميركية.
على أن مؤشرات الحل في غزة ليست قريبة، في انتظار ثلاثة مواعيد هامة (“اللواء” 29 حزيران 2024): خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في 24 تموز الحالي، الذكرى السنوية على “طوفان الأقصى) في 7 تشرين الاول و5 تشرين الثاني موعد الانتخابات الاميركية.
ما يجب التنبه له اليوم أن التوصل إلى اتفاق في غزة قد لا يعني انتهاء العمليات العسكرية العدوانية، فقد تتحول غزة إلى ضفة غربية ثانية لناحية العمليات الموضعية والاقتحامات وعمليات القتل لكن على نسق وحشي اكبر، ما يعني حكما عدم هدوء الجبهة اللبنانية الجنوبية التي قد تتخذ اشكالا عسكرية تتلاءم مع ما يجري في الاراضي الفلسطينية.
في الخلاصة سيكون على اللبنانيين الانتظار أولا إنتهاء الحرب بأشكالها المتعددة، ثم صياغة التفاهمات الإقليمية بنسق دولي. لكن ذلك لن يغير كون أي رئيس مقبل لن يكون سوى متفاهما عليه وليس طرفا في النزاع حتى لو كان في استطاعة أي طرف فرضه رئيسا بـ 65 صوتا (وهذا مستبعد)، اذ سيكون وصوله افتتاحا لأزمة أخرى وليس اختتاما للأزمة الحالية.