كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
عن أيّ مستوى امتحانات رسمية تتكلم وزارة التربية؟ سؤال يطرحه خبراء تربويون، بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير التربية، عباس الحلبي، أمس، محاطاً بالمدير العام للتربية، عماد الأشقر، والذي أعلن فيه “إنجاز” الوزارة للاستحقاق، كتعبير عن تمسّكها بالريادة والهوية!
ثمة تناقضات كثيرة في كلام الحلبي على تسريب الأسئلة، ففي وقت دحض فيه أي إمكانية لفكرة التسريب، باعتبار أن الطلاب المرشحين كانوا موجودين داخل المراكز من دون هواتف أو أي وسيلة اتصال، أشار إلى أنه طلب من النيابة العامة التمييزية ملاحقة من تبيّن للجنة التحقيق الداخلي أنه مصدر تصوير المسابقات ومستفيد من ذلك، من دون أن يذكر الأسماء. في ما عدا ذلك، بقي الوزير مصرّاً على أن فوضى اليوم الأول للامتحانات سببها تأخّر لجنة الكيمياء في تسليم المسابقات كافة، ما أخَّر الطباعة، ووصول الأسئلة بعد نحو ساعة ونيّف إلى بعض مراكز الامتحانات في عكار والهرمل، علماً أن الوزير كان قد تحدث في وقت سابق عن خطأ في المسابقة، الأمر الذي نفاه أعضاء لجنة الكيمياء، كما نفت اللجنة تأخير تسليم المسابقة. وإذا كان صحيحاً ما قاله الوزير لجهة أن لجان الامتحانات أبلغت رؤساء المراكز في كل لبنان بعدم فتح مغلفات الأسئلة حتى تتسلّم المراكز كافة الأسئلة، فالسؤال يصبح مشروعاً: من الذي سرّب المسابقات الى مواقع التواصل الاجتماعي قبل وصولها إلى بعض المراكز؟
أما مستوى الشهادة الرسمية فيعني جميع اللبنانيين، وعلى وزارة التربية، وجميع القيّمين على التربية الحفاظ عليه، ولكن ليس على الوزارة، وفق مصادر جامعية مواكبة للاستحقاق، أن توهم الشعب اللبناني بمستوى شهادة لم يعد موجوداً، “فالجميع في لبنان وخارجه بات يعلم بتدنّي المستوى، وهناك بعض الجامعات في دول أجنبية، وحتى في دول عربية باتت لا تعادل بسهولة الشهادة اللبنانية، وأحياناً تجبر الطالب على التعلّم لسنة إضافية لدخول الجامعة. وباتت سمعة الامتحانات تنحدر عاماً بعد آخر، بسبب قلّة المسوولية في التعاطي مع الاستحقاق.
المفارقة أن الطالب المرشح، والذي درس ثلث المنهج، أو حتى أقل، يستطيع نيل علامة كاملة في الامتحانات الرسمية، فنسبة التقليص اقتربت إلى 60 في المئة، مع اعتماد المواد الاختيارية والأسئلة الاختيارية.
وبذلك تعلم الجامعات داخل لبنان وخارجه أن الطالب الناجح، أو حتى المتفوّق، قد لا يكون ملمّاً بكل المعرفة والمهارة اللازمتين للنجاح في الجامعة، ذلك أن معظم الجامعات التي تحترم المعايير المهنية الجدية باتت تطلب العلامات المدرسية، ولديها امتحان دخول خاص بها، وتعتبر أن الامتحان الرسمي غير موجود، وبالتالي فإن الواقع الحالي يقود الى دفع الطلاب نحو جامعات من مستويات متدنّية، أي الجامعات – الدكاكين التي تبغي الربح المادي، من خلال استقبال أيٍّ كان، وتفاخر بتفوّق وهمي.
إلى ذلك، تنفي المصادر المتابعة أن يكون هناك بنك أسئلة تنتقي منه لجان المواد الأسئلة، فالمسابقة يعدّها مقرّر اللجنة مع نائبه أو من دونه، وهذا خطير جداً، بحسب المصادر، لأن معظم أعضاء اللجان يعملون في المدارس الخاصة، ويتقاضون بدلات مرتفعة لمجرّد أنهم أعضاء في اللجان الفاحصة، وهذا يؤدي إلى تضارب مصالح، وفساد تربوي وإداري. وقد أظهرت وقائع الامتحانات أن هناك متواطئين في هذا الخصوص. وبات معروفاً للجميع أن أساتذة بعض المدارس التي تحصد المراكز الأولى في لبنان هم أعضاء في اللجان الفاحصة!
الأغرب ما يجري تداوله لجهة أن بعض مقرري المواد لا يبذلون جهداً في إعداد المسابقات، إنما ينتقونها من مصادر معروفة، وهذا أمر يجب التوقف عنده، وفق المصادر، لأن ما حصل كان فاضحاً لجهة أن تفتخر بعض مواقع التواصل الاجتماعي بأن هناك أسئلة في المسابقات مطابقة تماماً لما هو موجود على الموقع.
وسط كل ما يجري، لم تحرّك وزارة التربية ساكناً لمعرفة ماذا يحصل، وهذا مستغرب. فمن مسؤولية المدير العام للتربية، الذي كان غائباً عن التحضيرات بسبب سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل أسبوع من بدء الامتحانات، أن يتابع موضوع وضع الأسئلة.
تربوياً، أكد خبراء في التربية أن مستوى المسابقات لم يعد يقيس الكفايات العليا بحسب منظومة “بلوم” وإن كان السؤال في ظاهره يقيس مهارة من مهارات التفكير العليا، إلا أنه بسبب تكراره بات التلميذ يحفظ كيفية الحل، فتتحول الكفاية إلى معرفة بسيطة بسبب قولبة أنماط الأسئلة منذ سنوات عدة. فموادّ الحفظ باتت أسئلتها تتكرر ومواد الفهم باتت أنماطها تتكرر.
بعد كل هذه التفاصيل، على وزارة التربية الانكباب مع المركز التربوي للبحوث والإنماء لإعادة مستوى الشهادة وليس الاحتفال بإنجاز وهمي على حساب الطالب اللبناني ومستقبله!
فضرب مستوى الشهادة جريمة بحق البلد، وعلى المخطئين أن يُحاسَبوا، وفي مقدّمهم المدير العام للتربية عماد الأشقر الذي أشاد به الوزير، فهو المسؤول الأول والأخير عن الاستحقاق ويتقاضى لقاء ذلك تعويضات مالية كبيرة، وعلى وزير التربية أن لا يوهموه بإنجاز غير موجود من الأساس!