جاء في “الراي الكويتية”:
بين الجولان السوري المحتلّ وطريق دمشق – بيروت، توزَّعت العدسات أمس، مع استعار «الحرب النفسية» التي مضى معها «حزب الله» في قَضْم الهيبة الإسرائيلية من أجواء الجولان المحتل، واستكمالِ تل أبيب عمليات الاغتيال المتسلسلة وكان آخِرها لمرافقٍ شخصي سابق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
ومع بثّ «حزب الله» الحلقة الثانية من «الصيد الاستخباراتي» الموثَّق بالصورة الذي عادت به مسيّرة «الهدهد» هذه المرة من الجولان السوري المحتل والتُقط «على دفعات» وتحت «عيون اسرائيل» التي جاء وقعُ «صعقة 9 تموز» بطول عشر دقائق صادماً أكثر لها من شريط «الهدهد 1» فوق حيفا الذي عُرض قبل 18 يوماً، بدا أن عمليةَ تحديث «توازن الردع» والرعب تَرْتقي على تخوم المفاوضات حول وقف النار في غزة والتي تقف أمام مفترقٍ دقيق فيما تستمرّ جبهة جنوب لبنان في مهبّ احتمالات مفتوحة على سيناريوين: الأول هدنة ستلفحها ما أن يُعلن بدء سريان اتفاقٍ حول القطاع وبما يفتح الطريق أمام «كاسحة الألغام» الأميركية لمحاولة إرساء تَفاهُم دائم حولها على مراحل. والثاني منحى تصعيدي على طريقة «آخِر الدواء الكيّ» لفرْض التهدئة ومع استبعادٍ حتى الساعة لحربٍ شاملة وترجيحِ «حرب ذكية» تعتقد تل أبيب أنها ربما لا تستدرج الانفجار الكبير.
وتم التعاطي مع «شريط الجولان» الذي اشتمل على صور دقيقة لقواعد استخبارات ومقرات قيادية ومعسكرات تابعة للجيش الإسرائيلي وتُعدّ مراكز إستراتيجية وتُعرف بـ «عيون الدولة»، على أنه جاء مدجّجاً برسائل برسْم تل أبيب، ليس بهدف إطلاق «عدّ تنازلي» لضغطٍ على زنادٍ لن يبادر إليه «حزب الله» في أي حال، لاعتباراتٍ وَضعت طهران «أسبابها الموجبة» الكبرى، بل لتأكيد أن أي صِدام كبير ستكون تكلفته على اسرائيل على جبهات عدة ومن كل الجبهات في «محور المقاومة»، إلى جانب إشارة «مشفّرة» في اتجاه سورية بأن الجولان سيكون في صلب أي مواجهة شاملة وأن مثل هذا الأمر سيجعل هذه الأرض المحتلة جزءاً من أي تسوية متعددة الساحة.
وبعد يومين من استهدافه مركز استطلاع في جبل حرمون في الجولان في ما وصفه بأنه «أكبر عملية للقوات الجوية في الحزب» منذ 8 أكتوبر، كاشفاً أنه «أعلى هدف يتعرض للاستهداف منذ بداية طوفان الأقصى في جبهة لبنان (2230 متراً)»، بما اعتُبر امتداداً لمعادلة «الجولان مقابل بعلبك»، جاءت «مفاجأة الهدهد» أبعد من هذا الإطار وعكست اتجاهاً بدا أقرب إلى إعلان «إلى الجولان دُر» في إطار حرب الاستنزاف النفسية كما الاستخباراتية وإلى توسيع «الكماشة» حول إسرائيل في ملاقاة آخر فصول التفاوض حول غزة ورفد «حماس» بمقوياتٍ عن بُعد كما التهديدات للبنان.
وبرز في الشريط تعمُّد إظهار صور تؤشّر إلى أنه حديث (مواقع ظهرت والثلج ذاب عنها)، وبعض المواقع «وقّع» الحزب تصويرها بـ «مسح أول» ومسح ثان، و«قبل الاستهداف» في إشارة الى مقرات سبق ان ضربها، في حين «انكشفت» أخرى لم تُستهدف بعد. كما لفت «توثيق» الحزب مدخل النفق المؤدي الى أسفل موقع التزلج الشرقي (استهدفه الأحد)، ومخابئ جنود، ومراكز إسعاف، وباصات نقل ضباط وجنود، اضافة إلى محطات إنذار مبكّر ومخازن أسلحة، والأهم مواقع القيادة والسيطرة التي تُعتبر عصَب الجيش الاسرائيلي.
وأبرز ما «عاد» به «الهدهد» صور لـ «6 محطات استراتيجية للاستطلاع الإلكتروني على الاتجاه الشمالي والشرقي لكيان العدو (واحدة في مزارع شبعا المحتلة و5 في الجولان)»، وتقوم بمهمات «التنصت والاسترشاد والرصد البعيد المدى، والهجوم الإلكتروني على صعيد التشويش والتضليل» و«تحوي عقداً رئيسية للربط والاتصالات وتبادل البيانات، وتتموضع فيها قوات من وحدتي 8200 و9900 ووحدة الحرب الإلكترونية، وتحوي قوات لمهام تأمين القاعدة وتجهيزاتها وتأمين الخط الحدودي، ويطلق عليها «عيون الدولة».
كما بُثت صور لـ 23 موقعاً وثكنة ومربضاً تم «تعليمها» بالأسماء وبعضها مستحدث بعد طوفان الأقصى، وبينها موقع أودم (موقع حدودي يحتوي على رادار سطع مدفعي «راز» ورادار جوي ثلاثي الأبعاد للإدارة الجوية» ومعسكر كيلع (قاعدة تدريب لقيادة المنطقة ومقر أساسي للقوات المتدربة في معسكر تدريب الجولان) وقد استهدفه الحزب بعد ظهر أمس، اضافة الى ثكنة غملا الجنوبية (معسكر تدريب وجهوزية للقوات البرية بحجم كتيبة ومكان تموضع لكتيبة المدرعات 77).
وعكست ردود الفعل في اسرائيل حجم الإرباك الذي أصاب المنظومة السياسية والعسكرية جراء هذا الاختراق المدوي الذي حرص الحزب على أن ينْهيه بـ «وعد» بحلقة ثالثة ظهرتْ فيها مدينة تطلّ على البحر.
ونقلت «القناة الـ 12» إنّ نشر الحلقة الثانية يُشير إلى أنّ حزب الله «يدير أيضاً حرباً نفسية إلى جانب الحرب التي تُدار في الشمال، فيما اعتبرت وسائل إعلام أخرى أنّ الجزء الثاني من سلسلة «الهدهد» يتضمن تصويراً جوياً نوعياً لمواقع مختلفة في الشمال»، حيث صوّرت مسيرة الاستطلاع «عشرات المناطق والمنشآت حساسة في إسرائيل، وتحديداً في الشمال، في 10 دقائق».
وفي تعليق بارز، أفاد الإعلام الإسرائيلي بانّ الفيديو يُمثّل «توثيقاً جديداً مقلقاً للحزب، إذ إنّه توثيق لعيون إسرائيل»، مع إشارة إلى أن الحزب «نشر خرائط وصور للقواعد العسكرية التي هاجمها خلال الأشهر الـ 9 الماضية في الجولان»، ما يؤكّد أنّ «لديه قدرات أكبر»، وأنّه «يستطيع تحريك أسراب من المسيّرات، وسيقوم بذلك إذا اندلعت الحرب».
ووسط اعتبار محللين أن تل أبيب عاجزة عن صدّ مسيَّرات «حزب الله» بالصواريخ لقدرتها على المناورة، تساءل الإعلام الإسرائيلي «كم عدد طائرات إف – 35 الإضافية التي يتعيّن علينا شراؤها حتى نتمكن من وقف طائرات حزب الله».
في موازاة ذلك، برز استهداف الطيران الاسرائيلي سيارة على المقلب السوري من طريق دمشق – بيروت كانت تقل شخصين، سرعان ما تبيّن أن أحدهما هو ياسر قرنبش، المرافق الشخصي السابق لنصرالله، وأفادت مصادر «العربية – الحدث» بأنه «يتولى مسؤوليات بوحدة نقل الأفراد والسلاح إلى سورية».
وفي حين ذّكر أن الاستهداف بمسيّرة حصل قرب حاجز للفرقة الرابعة على طريق يابوس في ريف دمشق، ذكرت معلومات أن قرنبش لم يعُد مرافقاً لنصرالله منذ نحو 10 سنوات، فيما تردد أن الشخص الآخر الذي سقط في الغارة هو جنرال إيراني، لم تكن حُسمت هويته.