IMLebanon

طبخة الرئاسة على النار بين “الحزب” وواشنطن!

كتب معروف الداعوق في “اللواء”:

يزداد الرهان، هذه الأيام، على التدخل الأميركي في المنطقة من أجل منع انفجارها وبدء عملية بالغة الدقة ترمي إلى إعادة ترتيب الإقليم جيوسياسيا، مع حصر الضرر في حده الادنى. ولا ريب أن الجنوب بات هو أحد أهم المؤشرات عن سير الحوارات المتفرقة من عمان إلى القاهرة والدوحة والرامية كلها إلى نزع فتيل الأزمات المتناسلة ومنع إنفجار الشرق الأوسط. لذا بات المشهد المتوتر في الجنوب روتينيا لدى عواصم القرار المعنية بالملفين اللبناني والغزّاوي.
اللافت أن هذا الرهان على التدخل الأميركي لكبح الانهيار ومنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الذهاب إلى الحرب الشاملة على لبنان، يتشعّب حتى يصل إلى حزب الله نفسه.

تسعى واشنطن في الوقت الرئاسي الضائع إلى ترسية الصفقة المنتظرة القائمة على وقف الحرب في غزة مع ترتيبات اليوم التالي لا سيما الجهة التي ستتسلّم إدراة القطاع. ويخوض بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، نقاشا مستفيضا مع الجهات المعنية في المنطقة، وخصوصا مع المصريين والإسرائيليين، من أجل تعبيد الطريق أمام مبادرة بايدن.

هذا الاخترق، في حال تحقّق، يمكّن الديمقراطيين من استخدامه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على لبنان في حال نجاح وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار عند الحدود اللبنانية -الإسرائيلية، مع الأخذ في الاعتبار تكتيكات نتنياهو الذي يسعى إلى امتصاص الضغط الأميركي حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، مراهنا على عودة دونالد ترامب.

وثمة تفاؤل أميركي نسبي بإمكان نجاح عناصر الصفقة بين تل أبيب وحركة حماس، بما ينعكس إيجابا على مشروع التسوية بين لبنان وإسرائيل، وبذلك تحقق إدارة بايدن انتصارا مزدوجا يسعفها في الحرب الرئاسية الشرسة التي يخوضها الديموقراطيون في مواجهة الجمهوريين. ‎
هذا الواقع سيؤهّل الإدارة الرئاسية الأميركية إلى الانتقال تلقائيا صوب الجنوب حيث باتت بوادر التسوية واضحة المعالم ركنها الأساس هذه المرة حزب الله بالمباشر، فيما ينتظر المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لحظة الحقيقة تلك من أجل وضع اللمسات الأخيرة على التسوية الحدودية.

في هذا الوقت بالذات، تسارعت الأخبار عن الوساطة الألمانية التي هي في صلب المساعي الرامية إلى خفض التصعيد جنوبا. وشكل اللقاءان بين نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ونائب رئيس جهاز المخابرات الألمانية أولي ديال تحولا استثنائيا في المسار التسوَوي، ليتبيّن بوضوح أن تلك الوساطة هي بالتنسيق الكامل مع واشنطن، وبعلم الحزب كذلك.

أول المؤشّرات للإختراق الألماني الإيجابي تمثل في عبارة قالها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في معرض حديثه عن الترابط بين غزة والجنوب. إذ هو أعطى الفرصة كاملة لحركة حماس كي تخوض التفاوض غير المباشر مع تل أبيب بما يخدم مصلحتها، مؤكدا أن حرب المساندة في الجنوب ستتوقف تلقائيا متى صدّقت حماس على الصفقة، لكن «عدم حصول إتفاق والذهاب الى أشكال أخرى من القتال، وموقفنا من ذلك، فنمحكي بوقتها». قُرئت العبارة الأخيرة على أنها رسالة إيجابية من الحزب إلى برلين بما يخدم نجاح وساطتها.

لكن الأهم يبقى في ما كُشف من معطيات جدير التوقّف عندها وسبر أغوارها. إذ يتحدث مصدر ديبلوماسي رفيع بثقة عن أن الوساطة الألمانية نجحت في تعبيد قناة اتصال غير مباشر بين واشنطن وحزب الله برضا الطرفين، وأن الحزب على وجه الخصوص ما عاد مكتفيا برئيس مجلس النواب نبيه بري كمحاور أو وسيط بين الجانبين، وفي ذلك تطور استثنائي يأتي على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية ومباشرة بعد عودة الإصلاحيين إلى سدة الرئاسة في إيران.

ويقول المصدر الديبلوماسي إن كُلًّا من واشنطن والحزب يعوّلان على قناة التواصل بينهما، وهذا ما منح الوساطة الألمانية دفعا كبيرا، ومنحها كل الأسباب الموجبة من أجل إنجاح الرغبة في الحوار غير المباشر بين واشنطن والحزب، تمهيدا لتثميره في ملف التسوية الحدودية الموعودة، واستطرادا في مسألة إزالة العوائق من أمام انتخاب رئيس الجمهورية، باعتبار أن الحزب على وجه التحديد يرى أن نضج هذا الانتخاب يتطلب تحقيق مجموعة الاختراقات في غزة أولا، من ثمّ جنوبا، مع كل الضمانات اللازمة من أجل ترسية تسوية مستدامة يكون فيها المركَز والمُرتكَز!