كتب منير الربيع في “المدن”:
تكسّرت كل محاولات وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان عند أعتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أصبح واضحاً أن المعركة لن تنتهي قريباً، ونتنياهو لن يتراجع وهو مصرّ على مواصلة الحرب إلى أطول فترة ممكنة. لا يزال يبحث عن إنجاز معين ينسبه لنفسه خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية والكلمة التي سيلقيها أمام الكونغرس، بالإضافة إلى ممارسته للمزيد من الضغط على الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن للحصول على المزيد من الأسلحة والدعم في هذه الحرب. كما سيستغل نتنياهو زيارته إلى واشنطن لأقصى حدودها، وسيلتقي بدونالد ترامب، فهو الحصان الذي يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي على فوزه ليواصل مخططه الحربي.
تحفيز فرنسي للسعودية
لبنانياً، فإن الحالة الروتينية للمواجهات تتمدد. تتصاعد حيناً وتخفت أحياناً، وسط ترقب لمسار العمليات التي سينفذها الإسرائيليون خصوصاً في ظل تركيزهم على إعتماد سياسة الاغتيال. كل المحاولات والجهود الدولية لم تؤد إلى نتيجة حتى الآن. الأسبوع الفائت أجرى المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان زيارة إلى المملكة العربية السعودية، حيث عقد لقاءات مع المسؤولين عن الملف اللبناني، حاول تحفيزهم على النشاط والتدخل أكثر كي لا تبقى الساحة وحدها لواشنطن. لم يخف لودريان عتبه على الأميركيين واستيائه من إصرارهم على قطع الطريق على أي مساعٍ فرنسية أو دولية أخرى، لذلك حاول لودريان تحفيز السعودية على النشاط أكثر في لبنان لانتزاع الدور من الأميركيين. وباستثناء ذلك، فلا إيقاع سياسياً في لبنان سوى إيقاع مواجهات الجنوب والحرب على غزة، وفي هذا السياق لا تزال رسائل التحذير والتهديد تتوالى بينما يستمر حزب الله على موقفه.
وبحسب ما تقول مصادر متابعة، فبعد الرسائل التي نقلتها جهات غربية عديدة إلى حزب الله حول احتمال لجوء اسرائيل للتصعيد ضد الحزب في لبنان، يتم إيصال رسائل عبر جهات شرقية بشكل مباشر أو غير مباشر. وتشير مصادر متابعة إلى أن روسيا تبدي قلقاً حول إمكانية تطور الأوضاع العسكرية، ولجوء الإسرائيليين إلى المزيد من العمليات الأمنية أو العسكرية أو عمليات الإغتيال بحق المزيد من كوادر حزب الله، او ربما الإنتقال الى نوعية أخرى من الإستهدافات، وهذا ما تحذر منه جهات عديدة، لأن نتنياهو يحاول استدراج الحزب إلى مواجهة أوسع. بعض هذه الرسائل جرى نقلها للحزب الذي يتخذ الإجراءات اللازمة لذلك.
استمرار الحرب على لبنان
تفيد المعطيات بأن نتنياهو سيبقى مصراً على مواصلة عملياته بشكل تصاعدي، وهو سيحاول فرض معادلة أمر واقع من خلال تكريس فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة حتى بالمعنى العسكري، وليس فقط بالمعنى السياسي؛ أي بما أن حزب الله يردّ على كل المبادرات الخارجية لوقف النار بأنه يربطها بوقف الحرب على غزة، فإن الردّ الإسرائيلي هو فرض معادلة مختلفة، وهي أن يكون التصعيد مع لبنان قائماً بغض النظر عن مآلات الحرب على غزة، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد قال إنه لو توقفت الحرب في غزة فإن إسرائيل ستواصل عملياتها في لبنان.
تجميد المبادرات
أمام كل هذه الوقائع يظهر أن كل المبادرات التي كانت قائمة، بما فيها مساعي المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، كما مساعي رئيس المخابرات الأميركية وليم بيرنز قد جمّدت، خصوصاً أنه في أميركا يكثر الكلام عن أن الحرب ستمتد إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، وفي حال فاز ترامب لا أحد سيكون قادراً على التنبؤ بمساراتها ونتائجها. لذلك فإن المساعي المبذولة على الخطّ اللبناني تتركز على ضرورة حصر التصعيد في نطاق معين، ومنعه من التفاقم، بالإضافة إلى البحث في كيفية ترتيب أوضاع ما تبقى من مؤسسات، إذ أن مسألة التمديد لقائد الجيش وغيره من موظفي الفئة الأولى قد بدأ طرحه مجدداً، في إطار الحفاظ على الحدّ الأدنى من هيكلية المؤسسات لضبط الوضع.