كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
يبدو ان الاستحقاق الرئاسي عاد من جديد ليدخل في غياهب الانتظار الطويل، الذي يصعب على أي جهة تحديد أفق زمني له، بفعل تقاطع هذا الملف مع الكثير من التطورات التي طرأت على المستويات الداخلية والاقليمية والدولية، وهو ما بات يؤكد بأن الشغور سيبقى متربعا على كرسي الرئاسة الى أمد قد يمتد بدايات العام المقبل على أقل تقدير.
على المستوى الداخلي يبدو ان هناك اصرارا من بعض القوى السياسية على عدم مبارحة مربع التعنّت في المواقف، واعتماد أسلوب النكد والنكايات السياسية التي تجعل من إمكانية احداث ثغرة ولو بسيطة في جدار الأزمة أمراً شبه مستحيل، وكأن أصحاب هذا التوجه يراهنون على متغيّرات معينة في المنطقة من شأنها أن تعزز موقفهم وتؤدي الى تحقيق هدفهم الرئاسي، وهذه القوى ما تزال تقف سدّاً منيعا أمام أي دعوة للحوار، من دون تقديم البديل المقنع للطرف الآخر، وقد عكس أحد كبار المسؤولين أمام زواره مناخات غير مشجعة تتعلق بالملف الرئاسي ووصل به الأمر في معرض توصيفه للواقع الى الجزم باننا عدنا الى المربع الأول للأزمة وكأنه لم تحصل مبادرات أو تدخلات إقليمية أو دولية لانتخاب رئيس للبلاد.
أما ثاني المعطيات التي تؤكد ان لا انتخاب رئيس في المدى القصير هو انكفاء «اللجنة الخماسية» التي كانت تنتظر أن تؤدي أي مبادرة من المبادرات التي طرحت من أكثر من تكتل سياسي الى فتح ثغرة تمكن «اللجنة» النفاذ منها باتجاه طرح صيغة ما تؤمّن التوافق المطلوب بين القوى السياسية للنزول الى البرلمان وانتخاب رئيس، وهذه «اللجنة» باتت أشبه بالنعامة التي تغرس رأسها في الرمل فلا هي قادرة على تقديم صيغة يمكن التوافق عليها، ولا هي قادرة على توجيه أصبع الاتهام التي تقف حجر عثرة أمام انتخاب رئيس للجمهورية.
ومن الأسباب ذات الصلة التي تحول دون انتخاب رئيس هي جبهة الجنوب والتعقيدات الكثيرة التي يضعها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام محاولات التوصل الى هدنة من شأنها أن تنعكس إيجابا على جبهة الاسناد في الجنوب.
أما على المستوى الخارجي فان فرنسا التي تحركت منذ اليوم الأول لبروز الأزمة الرئاسية وعقد رئيسها سلسلة اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين وغير لبنانيين في قصر الاليزيه سعياً للحل، وأوفد رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق جان إيف لودريان الى بيروت عدة مرات، تخللها وضع مبادرة شاملة ذات الصلة بالملف الرئاسي وجبهة الجنوب، هي اليوم منشغلة بنفسها بفعل النتائج المدوية التي نشأت عن الانتخابات النيابية والتي تؤشر الى ان فرنسا ستكون مع قابل الأيام أمام أزمة سياسية غير مسبوقة من شأنها أن تجعل الاهتمام الفرنسي بلبنان ينكفئ، وبالتالي تتوقف المساعي الآيلة الى تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين في ما خص الملف الرئاسي لفترة غير معلومة.
وما زاد الطين بلّة وساهم أيضا في تراجع الموقع اللبناني الى آخر سطر في أجندة الاهتمام الدولي، هو استعداد الولايات المتحدة الأميركية الى إغلاق نوافذها الخارجي والتفرغ للتحضير الى الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، وما تخلل هذه التحضيرات من مفاجآت تمثلت بمحاولة اغتيال المرشح الجمهوري للرئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب وما رافقها من ارباكات على الساحة الأميركية ستؤدي الى انشغال الإدارة الأميركية بحالها الى حين انتهاء الانتخابات.
انطلاقا من هذا المشهد غير المريح فان مصدر نيابي يؤكد ان الحل لأزمة الرئاسة لم يبقَ له إلّا طريق واحد وهو الحوار الداخلي، ولو كانت الكتل السياسية قد تجاوبت مع مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية لكان لدينا رئيس للجمهورية قبل أن يغادر الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري، ولكانت المؤسسات الدستورية جميعها منتظمة كما يجب، ولما كنا دخلنا في كل هذه المتاهات، معتبرا ان الظرف ما زال مؤاتيا في حال وجدت النوايا الطيبة والإرادة الحقيقية لانتخاب رئيس، وإلّا ووفق المناخات الموجودة في الداخل والخارج لن يكون هناك رئيس ولو بقينا على هذا الحال عشر سنوات.
ويلفت النظر الى ان أكثر من دبلوماسي خارجي آخرهم السفير الفرنسي يحثّ على ضرورة الاستعجال في انتخاب رئيس وتشكيل حكومة مكتملة الأوصاف، لأن بقاء لبنان من دون رأس، وفي ظل الانكماش الاقتصادي، والتجاذب السياسي سيؤدي الى الإنزلاق نحو المجهول.