جاء في “المركزية”:
ليس تفصيلا أن يرفع حزب الله راية الحسين في ذكرى عاشوراء قرب حائط كنيسة للطائفة الأرمنية في منطقة برج حمود التي تشكل الحصن المنيع لحزب الطاشناق. وليس صدفة أو عفويا إطلاق هتافات “شيعة شيعة” في عرين منطقة معروفة منذ التاريخ أنها كانت ولا تزال معقلا للتعايش بين اللبنانيين وأشقائهم من جذور أرمنية.
هذا المشهد سلط الضوء على نمط سلوكي جديد تحاول أن تفرضه مجموعات مسلحة تابعة لحزب الله في منطقة برج حمود وهي تكشف عن نزعتها التوسعية . وليس مستغربا مقارنة هذه السلوكيات بسابقات لها كمثل حادثة الطيونة ومحاولات قضم أراضي المسيحيّين في لاسا ورميش وجزين وجرد العاقورة وقرطبا…
إلا أن حادثة برج حمود شكلت خطوة نوعية لجهة تصعيد العنف، اذ لم يعد الأمر محصورا بخلاف عقاري كما الحال في لاسا، بل بات يشكل علنا المجاهرة بعقيدة توسعية دينية حيث تتحول الشعائر والطقوس إلى موقف سياسي يبرر العنف ضد الآخر بعد شيطنته، تمهيدا لاستعمال القوة ضده. وفائض القوة هذا يفترض أن يكون ثمة فائض قوة بالحق لمواجهته. وهذا ما حاول أن يفعله الأرمن في برج حمود عندما اعترضوا على إلصاق أعلام دينية على مراكزهم الخاصة. فهذا حقهم الطبيعي بحسب مصادر في المنطقة، وطبيعي للجماعة أن تدير ملكيتها وأن تدافع عنها فكيف إذا كان الأمر يتعلق بكنيسة؟
بداية تشير مصادر مطلعة على ما يجري في المنطقة لـ”المركزية” الى أن الحادثتين اللتين وقعتا في برج حمود لا ترتبطان ببعضهما سواء في الظروف أو الخلفيات. فالحادث الأول الذي وقع في 12 تموز حصل على خلفية منع عناصر مسلحة دخول سكان إحدى البنايات إلى منازلهم بعدما وضع عناصر من الثنائي حواجز بحجة إقامة احتفالات ذكرى عاشوراء، مما أدى إلى تفاقم حالة الإحتقان وإلى صدم شاب شيعي لآخر أرمني تبعه عراك بالأيدي مما أدى إلى تدخل “الوسطاء والمصلحين” . إلا أن المواطن الشيعي عمد إلى استقدام عشرات المسلحين على دراجاتهم النارية من خارج المنطقة واقتحموا نادي “نيكول تومان” التابع لحزب الطاشناق كما اعتدوا على كنيسة السيدة للأرمن الأرثوذكس التي تقع على بعد أمتار محدودة من مخفر قوى الأمن الداخلي. ولم يكتف المعتدون بهذه الممارسات بل عمدوا إلى إطلاق شعارات “شيعة شيعة وأطلقوا النار في الهواء”.
المصادر تؤكد لـ”المركزية” أن العناصر التي اقتحمت نادي الأرمن واعتدت على رموز كنيسة السيدة هي من آل نجم الدين ومن الطائفة السنية وينتمون إلى سرايا المقاومة. لكن هذا لا يعني أن فائض القوة هو من سمح لها بالتمادي خصوصا أنها تابعة لحزب الله وتتلطى بقيادته.
البيان الصادر عن حزب “الطاشناق” والذي حذّر فيه من عدم إمكانية” التغاضي عن محاولات إثارة النعرات الطائفية في هذه الظروف الحساسة، وعدم تمكن الأهالي من مشهدية العراضات والمظاهر المسلّحة والاعتداء على الحرمات والمقدّسات إلى ما لا نهاية”، لم يكن كافيا لردع المسلحين عن فتح جبهة والنزول بكامل عتادهم إلى الشارع لرسم خط تماس مع شبان أرمن تابعين لحزب الطاشناق تسلحوا بدورهم . لكن وكما في كل مرة”يصار إلى تبويس اللحي والتسليم بالوعود التي يعطيها قياديون في حزب الله وحركة أمل إنطلاقا من العلاقة الجيدة التي تربط النائب هاغوب بقرادونيان بالرئيس نبيه بري. والنتيجة تمدد إلى داخل منطقة برج حمود واستعادة مواقع كمثل شارع بنت جبيل حيث كان مقهى بنت جبيل قديما وصولا إلى شارع طراد في برج حمود بحجة أنها كانت قبل الحرب محسوبة على “الشيعة”.
الحادث الثاني وقع في اليوم التالي لكن هذه المرة بين “جارين” وأسفر عن سقوط قتيل يدعى ربيع دغلاوي والحادث فردي بامتياز بحسب المصادر التي توضح أن القتيل من الطائفة المسيحية وشقيقه يدعى جان لكنه تشيّع. أما أسباب الخلاف فتعود إلى إشكال بين أولاد ربيع وهوفيك نتيجة إطلاق أحدهم كلمات نابية وكان في حال من السكر الشديد. وعندما حاولت عناصر من حركة أمل التدخل بهدف الفصل بين المتخاصمين حصل إطلاق نار أصيب على أثره ربيع برصاصة في عينه وما لبث أن فارق الحياة في اليوم التالي إلا أن الخلاف منفصل تماما عن إشكالية الإعتداءات التي تمارسها جماعات مسلحة تابعة للثنائي الشيعي.
لا تخفي المصادر خشيتها من أن تتكرر الحوادث الفردية التي تفتعلها الجماعات المسلحة خصوصا أنها تمددت إلى داخل منطقة برج حمود التي تشكل قلعة الأرمن وحزب الطاشناق، إلا أن عدم الإمساك بالامن فتح الشهية لتكرار مثل هذه الحوادث مع عناصر تابعة للثنائي وتسبب ذلك في تململ وامتعاض، وهذا ما تجلى في الإنتخابات النيابية الأخيرة والتي كشفت عن نسبة تراجع التصويت لدى أبناء الطائفة الأرمنية في منطقة المتن الشمالي .
وتختم بالتأكيد على أن الرادع الوحيد لهذه الحوادث هو الجيش اللبناني ولنا ملء الثقة بالقيادة التي ترفض وقوع أي حوادث ذات طابع طائفي لكن الأهم أن تستعيد الطائفة الأرمنية ثقتها بحزب الطاشناق لأنه المرجعية الأولى والأخيرة في منطقة برج حمود.