IMLebanon

وساطة أميركية بلسان ألماني

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

إنها مرحلة أكثر دقة وخطورة من تلك السابقة التي تُقبل عليها المنطقة ربطا بالعدوان المستمر على قطاع غزة.

في هذه الفترة من الفراغ وشراء الوقت تلفت المؤشرات إلى ان الأمور طويلة زمنيا سيما وان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تنفس الصعداء مع إرتفاع حظوظ حليفه الأميركي الجمهوري دونالد ترامب في معركته الرئاسية المرتقبة في 5 تشرين الثاني المقبل.

لذا لا خرق في المفاوضات للتسوية في غزة أقله قبل خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في 24 الشهر الحالي. وتستبعد أوساط إقليمية في المقاومة ان يحدث أي خرق كبير قبل الإنتخابات الأميركية التي ستوضح الأفق لناحية طبيعة الحرب ومداها الزمني والجغرافي أو لناحية التوصل إلى التسوية المنتظرة.

على ان العامل الأهم في هذه المعادلة كان وسيبقى قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته على الصمود رغم الضربات التي تعرضا لها، لكن الأوساط المطلعة على موقف المقاومة في غزة ولبنان والمنطقة عموما، تؤكد الصمود بالمتاح من الإمكانيات المتنوعة التي تتجدد دوما عبر التصنيع مهما كانت الظروف قاسية في موازاة التكيف المستمر ميدانيا وجغرافيا.

الحال ان نتنياهو لم يتمكن من تحقيق اهدافه التي وضعها وطبعا الأهم القضاء على حركة “حماس” واعادة المختطفين. فقد أُربكت حساباته وتورط جيشه في مستنقع غزة على رغم احتلال غالبيته حيث لم يتمكن من التموضع في أية نقطة أو بقعة من دون استهدافه في حرب غير تقليدية.

هذا مع التسليم بأن اسرائيل دخلت للمرة الأولى في تاريخها في حرب طويلة على عكس تقديرات الجميع وتبدو مستمرة فيها من دون هوادة، لكن الأمر يتعلق أيضا بعامل شخصي لنتنياهو الذي يعلم تماما مصيره فور توقف الحرب لناحية الخسارة شعبيا كما لناحية المحاكمة القضائية.

المشكلة هنا ان نتنياهو المتحصن باليمين المتطرف لن يُجبر على ايقاف الحرب سوى بحدث عسكري كبير، يقلب المجتمع الاسرائيلي بحدة ضده ما ليس متوافرا الآن وهو الذي لا يأبه للاحتجاجات الكبرى ضده منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى. والتقديرات أنه لن يترك غزة سوى بهزيمة عسكرية واضحة أو بضربة اقليمية، وقد يلجأ إلى انجازات وهمية حينها بعد التمكن من قتل قيادات واعتقال اخرى ورفع اعلام في بعض الاماكن المحتلة..

من هنا تلفت الأوساط إلى ان المرحلة المقبلة صعبة وتحدياتها كبيرة ونتنياهو سيشتري الوقت حتى وصول

ترامب إلى البيت الابيض ما قد يدفعه ايضا إلى فرض وقائع على الأرض يصعب انتزاعها منه مستقبلا وربما مغامرات عسكرية غير محسوبة في الخارج. وهنا ثمة أسئلة تُطرح: هل سيهرب نتنياهو إلى الأمام ليورط الأميركيين في حرب كبرى؟ وماذا سيكون موقف المحور المقابل الذي لا يريد الحرب لكنه لا يخشاها؟ وكيف ستؤول التفاهمات التي يُعمل على صياغتها ايرانيا وخليجيا (مع التوقف عند نتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية التي كانت اقرب الى العقلانية تجاه المشهد الأميركي المقبل)، وخاصة سوريا وخليجيا؟

لكن هنا ثمة دعوة إلى عدم تضخيم مسألة هوية الرئيس الاميركي المقبل كون المؤسسة العميقة في الولايات المتحدة هي التي تحكم، ثم أن لا خلاف فعليا بين الأميركيين والإسرائيليين اليوم سوى في التكتيك وليس في الجوهر فإدارة الرئيس جو بايدن تريد تحقيق اهداف الحرب لكن بوسائل اخرى وليس بطريقة نتنياهو الوحشية..

إلى جانب ذلك ثمة اسئلة اخرى في غاية الأهمية تتعلق باليوم التالي للحرب سيما بالنسبة إلى هوية من سيحكم غزة.

بغض النظر عن كل ما يقال، تشدد الأوساط على ان “لا وجود لليوم التالي على أجندة المقاومين فالمعركة ليست ذات نتيجة رمادية بل واضحة وتتعلق بمن سينتصر”.

وفي كل الأحوال ترفض المقاومة بفصائلها المختلفة تولية قوات عربية او دولية غير فلسطينية وهذا محسوم. لكن ذلك لا ينفي السعي إلى وحدة الموقف الفلسطيني. فحركة “حماس” هي التي طلبت من الصين تقريب وجهات النظر فلسطينيا (من المقرر عقد لقاءات في 21 و22 و23 الشهر الحالي)، وهي تريد دورا صينيا وحتى روسيا وتركيا في التسوية مع الإسرائيليين لكنها لم تتمكن من فرض الحلفاء وهي بذلك سجلت موقفا لدى هؤلاء اللاعبين حتى لو فشلت بفرض ضمانتهم.. في الوقت الذي لا تتحمس فيه حركة “فتح” لموضوع التفاهم مع “حماس” نظرا إلى التجارب الماضية كما لعمق الخلاف وطبعا بسبب غموض التسوية، مع الإشارة هنا إلى ان الوساطة الصينية تتم بمعزل عن المصريين والقطريين ولا غطاء اميركيا لها..

في الأثناء ستبقى الجبهة الجنوبية على حالها من دون تصعيد دراماتيكي او تهدئة، لكن في حال مناورة نتنياهو في غزة بعد تسوية مفترضة وابقائه على ضرباته وتوغلاته وعملياته، فإن “حزب الله” سيبقي على جبهته بأشكال متنوعة.

وستتغير قواعد الاشتباك وقد تشن اسرائيل حربا استخباراتية في الدرجة الأولى وعمليات امنية واغتيالات بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وقد تخف حدة سخونة الجبهة من دون إتسامها بالهدوء حتى وضوح الرؤية عبر اتفاق واضح لوقف النار في غزة او للعمليات القتالية ثم يتم بحث اليوم التالي لبنانيا وثمة بحث غربي مع لبنان على هذا الصعيد بلسان ألماني نيابة عن الأميركيين بعد زيارات غير منتجة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.

وفي لبنان ايضا ستكون الأنظار متجهة إلى المخيمات الفلسطينية المرشحة للتلاعب بأمنها اسرائيليا، لكن الفصائل واعية لهذا الأمر كما القيادات الأمنية اللبنانية واللاعبين اللبنانيين الكبار مثل “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري وغيرهما.. منعا لإرباك الساحة والضغط عليها وتوسيع توتراتها عبر الخلايا النائمة..