جاء في “اللواء”:
تعمل إسرائيل يوميا، على جعل النار تحت القدر في جبهة لبنان. فلا يمرّ يوم، إلّا وتستهدفه بغارة طيران، أو بمسيّرة، أو بعبوة ناسفة، زرعت على طريق عام. لا يمرّ يوم، إلّا وتشعل حريقا هنا وحريقا هناك، تستعمل القنابل الفوسفورية وعبوات الوقود، لرميها بالمسيّرات، وإضرام النيران الشديدة، حتى تظل جبهة الجنوب ساخنة، تستهدف معامل الكهرباء، وخزانات المياه، والطرق العامة على الحدود، وتتابع عملياتها المرعبة في خرق جدار الصوت، فوق القرى والمدن، حتى تدبّ الرعب في نفوس الناس فيخافون وينزحون.
وحتى لا يبقى هناك، أي شكل من أشكال الحياة.
تسخين جبهة لبنان، هي الشغل الشاغل يوميا لإسرائيل، ما دامت الحرب على غزة، مفتوحة على مصراعيها بلا حساب، وما دامت طويلة الآجال، تشاغل حزب الله، بعيدا عن أرض المعركة، حتى يرعوي عنها، وحتى لا يستطيع إرسال المقاتلين إلى غزة، وإخلاء ساحة لبنان لها.
تسخين جبهة لبنان، هو من الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل. تتفقّدها كل يوم، وترصد حركة التنقلات عليها، وتراقب مدى جهوزية حزب الله في الدفاع، تراقب مدى مناعته العسكرية، تراقب مدى وصول الصواريخ من مهاجعها، إلى قرى وبلدات الشمال.
تستطلع إسرائيل يوميا جبهة لبنان، تعرف مسبقا، أن المعركة هناك أشدّ وأقسى، فهي تطال عمق الكيان بنيرانها، وهي تهدّد البنية التحتية للدولة العميقة، وتهزّ جدران قلعتها العسكرية. فالحرب مع حزب الله، ليست من النزهات، وليست مما يشتهي قادتها، فهم قد ذاقوا مرارتها في الجنوب اللبناني، وأثناء عمليات الإجتياح، وأرتدّوا عن جبهة لبنان خائبين خاسئين، لأن حزب الله أمرّ عودا، وأشدّ مكسرا.
تحافظ إسرائيل على تسخين جبهة لبنان، حتى تمرر عملياتها في غزة بهدوء، وحتى تؤمّن لجبهة غزة ما تحتاجه، من عديد وعتاد، ومن ذخيرة، لجميع أنواع أسلحتها. فالحرب في غزة، هي مربط الفرس، في هذه المرحلة، ولا تريد التورّط فيما يشغلها عنها، ولهذا تعمد إلى تسخين جبهة لبنان بإستمرار، حتى تسير عملياتها في غزة بهدوء وتحت ستار البحث عن مخطوفيها، وعن قادة القسام، وعن قادة حماس، عن محمد الضيف وعن السنوار، ولهذا تضرم النار تحت القدر في لبنان، وتضرب المواعيد لعملياتها البرية هناك، حتى تمرُّ عملياتها في غزة، تحت ستار من الظلام.
تسخين جبهة لبنان، هو الشغل الشاغل اليوم لإسرائيل، لأن حربها على غزة طويلة الآجال، وهذا ما يمنحها فرصة، التجنيد ممن غادروا الشمال، تجعلهم حربها متطوعين دائمين، وترسلهم إلى غزة بأسلحة جديدة، لتجديد الحرب، وإضرام النار، كلما شعرت أن المفاوضات صارت وشيكة، وبات إنتهاء الحرب ينتظر المواعيد القريبة، من وساطات لا تستطيع رفضها علانية، وتعمل على تقويضها، من خلال تسخين جبهة لبنان، بالطائرات الحربية وبالمسيّرات الدائمة.
إسرائيل، أغرتها وحدة الساحات، فصارت كلها مباحة لديها، صارت تدفع بمسيّراتها إلى أعماق الساحات، وتصطاد الناس عن الطرقات، وصار تسخين جبهة لبنان شأنها اليومي، حتى لا تُساءل عما تقترف، ليس في غزة والقطاع وحسب، وإنما أيضا في سوريا وفي لبنان!