جاء في “الراي الكويتية”:
من خلف الأبعاد «العابِرة» لـ «الصدفة من غير ميعاد» التي جعلتْ لبنان «يفْلت» من «الموت الأزرق» (الخلل الفني العالمي لتشغيل منصة «مايكروسوفت 365) نتيجة تَقادُم الأنظمة التي تَعتمد قطاعاته الحيوية عليها، لم يَعْلُ في بيروت صوتٌ فوق صوت الخطوط الحمر التي تَوالى تَرسيمُها عبر جبهة الجنوب بتزامَنٍ بدا متعمَّداً مع انتهاء زمن «السماء الزرقاء» (الصافية) في اسرائيل بفعل مسيّرة الحوثيين التي انفجرتْ في تل أبيب وأحدثت صدعاً في أجوائها وحوّلتْها جزءاً من مسرح عملياتٍ حربي تَوَسَّع للمرة الأولى إلى عمقٍ يُخشى أن تَخرج معه ساحات القتال والإشغال المترامية عن السيطرة ما لم يُفْضِ تطوير «محور الممانعة» معادلات الردع و«تنويعها» إلى كبْح تل أبيب عن المضيّ في معاندة السير بـ «مقترح بايدن»والدخول في وقف نار يسْري على كل جبهات الإسناد.
وفيما كان «حزب الله» يكرّس «بالنار» أمس معادلةَ «كل استهداف جديد لمدنيين في لبنان بضرْب مستعمرات جديدة»، ما يعني حُكْماً زيادة عدد النازحين داخل اسرائيل، وذلك بقصْفه مستعمرة دفنا رداً على غارة في برج الملوك (مرجعيون) أدت الى إصابات في صفوف نازحين سوريين بينهم أطفال، بدا من الصعب قراءة «شدّ الحبْل»عبر جبهة الجنوب ومن حوثيي اليمن عبر ضرْبهم بـ«يافا» عمق اسرائيل اي تل ابيب – وذلك على وقع ترسيخ التعاون العملياتي بينهم وبين المجموعاتِ الموالية لإيران في العراق – إلا على أنه في إطار تظهيرٍ أكثر وضوحاً لـ «وحدة الساحات» في سياق محاولةٍ تم التعاطي معها على أنها لتحقيق هدف مزدوج:
• الأول منْع سقوط «حماس»والسعي لإحداث توازنٍ «عن بُعد» في الميدان يَسمح بعدم الاستفراد بالحركة على طاولة التفاوض أو «محوها» من صورة «اليوم التالي» في غزة، وتالياً حجْز مقعد متقدّم لطهران في هذا المسار ولو بعد حين.
• والثاني حضّ بنيامين نتنياهو على السير بصفقة التبادل ووقف النار، وتوجيه رسالة إليه، عشية توجّهه إلى واشنطن في زيارة سيُلْقي خلالها خطاباً أمام الكونغرس (في 24 الجاري)، بأن كَسْب الوقت بانتظار انتهاء الانتخابات الأميركية بفعل الرهان على تَقَدُّم حظوظ الرئيس السابق دونالد ترمب الذي عاجَل «حماس» في الساعات الماضية بتهديدٍ بـ «الصوت العالي»، لن يكون إلا تمديداً لحرب استنزافٍ لِما بقي من ردعٍ اسرائيلي وأن الأشهر الفاصلة عن 4 نوفمبر المقبل ما لم يسبقها إرساء الهدنة ستملأها مفاجآت«من كل الاتجاهات» وفي «السماء والأرض».
وشخصت الأنظارُ أمس على كيفية «تَجَرُّع» اسرائيل خرْق «الحوثيين» كل منظومات الدفاع الجوي وصولاً إلى تل أبيب والهوامش المتاحة لـ«ردّ الاعتبار» في الميدان من دون التورط في حربٍ شاملة ما زال التقويم بأنها لا تريدها، ليس فقط لاعتباراتٍ تتصل بمدى القدرة على خوض مواجهة متعددة الجبهة، بل أيضاً لاقتناعٍ بأن مجيء دونالد ترامب يمكن أن يرفد نتنياهو بـ «مقوياتٍ» لإكمال ما بدأه في غزة وتعزيز وضعيته بوجه «حزب الله»، على أن تشكل الأسابيع المقبلة فسحة للمضيّ في عمليات أكثر تركيزاً وفي الاغتيالات داخل القطاع كما في لبنان حيث برز في الأيام الأخيرة ارتقاءٌ في مستوى الاستهدافات المركَّزة على حساب القصف الواسع النطاق لبلدات الحافة الأمامية، وإن تسبّبت الاغتيالات في سقوط مدنيين تعتبرهم اسرائيل «أضراراً جانبية».
وفيما عكستْ التقارير عن غاراتٍ اسرائيلية عصر أمس على ميناء الحديدة تصعيداً لا بد منه ولكن مضبوطاً وفق تقويم تل أبيب عبر حصْرها الردّ بالحوثيين وليس اي ساحات أخرى في «المحور»، جاء قرار محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة والتي يترأسها حالياً القاضي اللبناني نواف سلام، بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ العام 1967 «غير قانوني»ويجب أن ينتهي «في أسرع وقت»، ليعمّق متاعب نتنياهو و«انكشافه» دولياً بما يفترض أن يشكل رادعاً نظرياً، وفق أوساط متابعة، أمام أي اندفاعةٍ واسعة نحو لبنان، إلا بحال سارت القيادة الاسرائيلية بتقديراتٍ في تل ابيب بأنّ «حرباً سريعة» من شأنها جرّ الجميع إلى دفْعِ مسارٍ لحلٍّ على جبهة لبنان بشروطها، وذلك سواء حلّ وقف النار في غزة أم لا، خصوصاً في ظل كوابح دولية لأي هجومٍ ينتج عنه «إركاع» ما بقي من دولة لبنانية وبناها التحتية.