كتب منير الربيع في “الجريدة الكويتية”:
غيّر المحور الإيراني استراتيجيته المتبعة في المواجهات المفتوحة مع إسرائيل، التي ذهبت إلى اختبار معادلة وحدة الساحات ضدها عبر استهداف ميناء الحديدة، المعقل الأهم لجماعة الحوثي رداً على هجومهم الاستثنائي على تل أبيب.
واختار الإيرانيون خلال الأيام القليلة الماضية الانتقال إلى مسار جديد من العمليات العسكرية، بهدف الضغط الأكبر على إسرائيل وأميركا لدفعهما إلى وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني، والقبول بالصفقة المطروحة على الطاولة.
وبحسب مصادر قريبة من المحور الإيراني، فإن اللجوء إلى خيار التصعيد يأتي بعد فشل كل محاولات التهدئة وكل الوساطات الدولية مع الحكومة الإسرائيلية للقبول بالصفقة، وبالتالي لم يعد هناك أي خيار إلا تصعيد الضربات ونوعيتها، وفي هذا الإطار يندرج مسار استهداف الحوثيين لتل أبيب بمسيّرة انتحارية تسببت في مقتل إسرائيلي أمس الأول.
وللمفارقة، لم تكن المسيّرة، التي أطلقها الحوثيون باتجاه تل أبيب وبمحيط السفارة الأميركية، وحدها، بل أُطلقت 3 مسيّرات أخرى إلى جانبها من «حزب الله» وفصائل عراقية، في محاولة لتثبيت معادلة وحدة الساحات أو الجبهات، وإيصال رسالة التصعيد والقدرة على ضرب واستهداف إسرائيل عبر أكثر من جبهة وفي توقيت متزامن، ولا تنفصل هذه الرسالة عن إطلاق فصائل عراقية مسيّرة باتجاه محيط السفارة الأميركية في بغداد أيضاً، وذلك يندرج في خانة الضغط الإيراني على الأميركيين لدفعهم إلى إلزام إسرائيل بوقف النار.
ويسعى المحور الإيراني إلى تحقيق جملة ضغوط ضد تل أبيب وواشنطن، من خلال التصعيد، لا سيما عشية توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة بحثاً عن مزيد من الدعم لمواصلة الحرب في غزة وللتصعيد ضد «حزب الله» في لبنان، فيريد الإيرانيون القول للأميركيين والإسرائيليين إنهم قادرون على تغيير المعادلة في المنطقة كلها، وقلب الطاولة في حال حصول أي تصعيد ضد الحزب.
وفي هذا السياق، تندرج ضربة الحوثيين لتل أبيب، بينما في المقابل يريد نتنياهو أن يعمل على تجيير هذه العملية لمصلحته لكسب التأييد والدعم لتصعيد المواجهة خلال كلمته التي سيلقيها أمام الكونغرس، خصوصاً أنه يختلف مع إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن حول كيفية مواجهة الحوثيين.
وأمام هذه الوقائع، تتكون جملة خلاصات بحسب ما تشير مصادر إقليمية دولية، أبرزها أنه في حال تكرر استهداف تل أبيب وإلحاق الأذى في هذا العمق الإسرائيلي، فإن احتمالات التصعيد ستتزايد، خصوصاً أن الإسرائيليين سبق أن وضعوا معادلة «تل أبيب مقابل بيروت». لكن آلية العمل الإسرائيلية ستكون مرتبطة بما سيحققه نتنياهو في واشنطن.
في هذا الإطار، تراجع نشاط الوسطاء العاملين على الخط بين لبنان وإسرائيل للجم التصعيد، بينما برز تقدّم روسي على الساحة اللبنانية من خلال زيارة مبعوث وزير الخارجية الروسي، والذي كان واضحاً أنها تندرج في سياق استكمال الرسالة التي نقلها الروس عبر قنواتهم الخاصة إلى «حزب الله» من احتمال زيادة إسرائيل لعملياتها العسكرية وعمليات الاغتيال بحق قياداته وكوادره.
وفي رد انتقامي غير مسبوق، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس شنّ سلسلة غارات على مدينة الحديدة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤكداً أنها رد على مئات الهجمات طوال الأشهر الماضية، وأنه لا تغيير في تعليمات الجبهة الداخلية.
وفي استعراض للقوة، قال وزير الدفاع يوآف غالانت: «النار المشتعلة الآن في اليمن يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسنفعل ذلك بقدر ما يتطلبه الأمر»، مضيفاً: «سنستهدف الحوثيين في أي مكان».
وذكرت تقارير عبرية أن الغارات تمت بموافقة مجلس الوزراء المصغر وبمشاركة 12 طائرة من طراز «إف 35» وطائرات تزود بالوقود، وبالتنسيق مع واشنطن، التي تبرأت من المشاركة العسكرية بالعملية.
وأكد الحوثيون سقوط قتلى وجرحى في الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، متوعدين برد مؤلم، في وقت بثت قناة المسيرة الفضائية التابعة لهم مشاهد تظهر انفجارات هائلة واشتعال النيران بمنشآت تخزين نفط ومحطة الصليف الكهربائية.
وقبل الهجوم مباشرة، حذر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن «الحرب الشاملة أصبحت وشيكة جداً»، معتبراً أن طريقة منعها هي «الضغط على إيران».
وقال كاتس إن وقف إطلاق النار في غزة واتفاق تبادل الرهائن مع «حماس» لن يمنع الحرب مع «حزب الله» في ظل استمرار هجماته شمالاً، معتبراً أن سحب الحزب لقواته من المناطق الحدودية سيحدث بإرادته أو «إذا أمرته طهران».
وفي نبرة تهديد مختلفة، قال كاتس: «لا نريد الحرب لأننا لا نريد أي شيء في لبنان، لكن إذا اندلعت فلن تكون كما في غزة»، لافتاً إلى أن «80 في المئة من القوات الجوية الإسرائيلية لا تستخدم، وإذا لم تسحب إيران الحزب من حافة الهاوية فسنوجهها إلى لبنان».
وأمس، أعلن الجيش الإسرائيلي، رصد 45 صاروخاً أطلقت من جنوب لبنان على مناطق شملت الجليل الأعلى والجولان السوري المحتل، بينما أعلنت «كتائب حماس» أنها قصفت من جنوب لبنان مقر قيادة «معسكر جيبور» برشقة صاروخية.