كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
كشفت معلومات صحافية عن زيارة غير معلنة قام بها المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى الرياض، مع المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لمناقشة تطورات الأوضاع اللبنانية، على صعيدي الإستحقاق الرئاسي والوضع المتفجر على الحدود الجنوبية مع الجانب الإسرائيلي. وقد ناشدت فرنسا السعودية لمساعدتها على انتخاب رئيس في لبنان سريعاً، قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية واحتمال وصول دونالد ترامب الى سدّة الرئاسة، وفي ظلّ التوترات الأمنية والتصعيد الاسرائيلي المتسارع في المنطقة والخشية من انفجار أكبر. فهل من دور حاسم تلعبه السعودية الى جانب السُنّة في لبنان لتسهيل انتخاب رئيس، باعتبار ان الموقف السنّي الموحّد قد يؤدي إلى حلحلة في هذا الملف وتمرير الرئاسة؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “لا يمكن ان يُنهى الملف الرئاسي اليوم ولن تتدخل السعودية في لبنان لأن تدخلها سيكون إرضاء لمرشح حزب الله. وفرنسا ليس لها دور في لبنان وإنما تستعطي أدواراً، وقد فشلت في أن تكون حاضنة للبنان لأن ردة فعلها على ما خسرته من مستعمراتها أطاح الثقة بها في الاتجاهات كافة، وبالتالي المبادرة الفرنسية التي طرحها رئيس الوزراء الفرنسي مع الوفد الأمني لم يُسلِّف لها “حزب الله” ولم يُقدِّم لها أي اعتبار. فرنسا تحاول استباق الأمور، لكن بعد الانتخابات النياببة أصبحت ضعيفة، ولودريان مفوض لرئيس ليس له قدرات على أي حلول. والتوجُّه نحو السعودية هو محاولة لإنقاذ فرنسا، لكن المملكة لن تعطي اي اوراق على حساب مصالحها واستثماراتها، لأن فرنسا لم تُسلِّفها سابقاً. ونتذكر قضية المرفأ وتعاطي الرئيس ايمانويل ماكرون وتشكيل حكومة الإنقاذ ومحاولته مع الرئيس سعد الحريري تسعة أشهر لإقناع السعوديين للاستثمار. فرنسا تحاول ان تستثمر وترضي طهران باعتبار ان اي اتفاق سيؤهل الشركات الفرنسية للاستثمار في ايران”.
ويشير العزي إلى ان “لودريان الضعيف وهوكشتاين الذي يودِّع سيّده البيت الأبيض، لن يقدما أي اتفاق او تسوية. هوكشتاين سيرحل مع بايدن وسيأتي رجل آخر. وفي حال وصلت كامالا هاريس الى الرئاسة فسيكون لها فريق مختلف، لأن مَن أضعف دورها هو فريق بايدن والرئيس السابق باراك اوباما، لذلك ستبذل مجهودا إضافيا لإعادة تعويم دورها. أما بايدن، فستكون له كلمات محورية ومفصلية. وعندما يقول بأنه يستطيع إنهاء الصراع في الشرق الاوسط، فهو فعلياً يستطيع ذلك، وسيقول لايران كلمته الفصل. هو لم يكن يريد استفزاز ايران لأن هذا توجّه اوباما الرئيس الظل للولايات المتحدة حالياً”.
ويتابع العزي: “كلام نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب كان واضحاً جداً عندما قال: فشلنا في ايجاد تسوية وانتخاب رئيس، فلنذهب الى استقالة جماعية نستطيع من خلالها إعادة بلورة المشهد السياسي. طبعا المشهد السياسي اليوم سيكون لمصلحة المعارضة، وبالتالي لن يخطو احد هذه الخطوة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري هو من يفاوض اليوم ولكن كلام وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب في الامم المتحدة كان واضحا بأن هناك خلافا بين الثنائي والدولة، لأنه قال: “لا نقبل إلا بسلاح واحد هو سلاح الدولة والجيش ونشر الجيش وقوات الطوارئ وتطبيق الـ1701. إذاً، في التسوية القادمة، لن تعطي الولايات المتحدة حوافز لايران وأذرعها، حتى إدارة بايدن ملّت من تصرفات ايران، فكيف إذا جاءت إدارة ترامب لمتابعة هذا العمل؟
ويرى العزي ان “السعودية ترى اليوم ان مشكلتها ليست مع لبنان، ولا في إعادة السنّة. السنة مشرذمون ويعانون من أزمة ومن غياب قائد وبالتالي إذا لاحظنا في طوفان الاقصى، حاولوا ان يقدّموا لهم “الملثم” (ابو عبيدة) لأن يكون القائد، لكن الطائفة لن تؤخذ بالمشاعر ولن تذهب بعيداً لأنها ستفكر بالعقل. انتشار الطائفة السنية في لبنان استراتيجي لا يمكن السيطرة عليه إلا في حال إدخالها في حرب، والسّنّة لا يحاربون وغير جاهزين للحرب وهذا تاريخيا معروف. أما إعادة سعد الحريري الى لبنان، فهو خرج بمطلب شعبي نتيجة فشل في الموقف السياسي الذي انتهجه وتعنت الثنائي معه، اليوم يحاولون إعادة السنة الى حضن حزب الله لأنهم حاجة فعلية لمنح غطاء وشرعية لما يفعله في الجنوب باعتبار أنه يساعد أهل السنة، لكن هذا الاتفاق لن يكون على حسابهم، لأن السنة يعرفون جيدا ان من هم في البرلمان بالاغلبية لا يمثلونهم، واي تحرك وتغيّر سيكون التوجه نحو الاعتدال العربي. مشكلة السنة في لبنان انهم ملحقون في الدول الاعتدالية في مصر والسعودية والخليج نتيجة الارتباط القومي المذهبي الحضاري والمالي”.
ويضيف: المنطقة اصبحت مرتبطة بالتسويات، لا يمكن ان يأتي رئيس ونظام بشار الاسد لا يستطيع إعادة النازحين الى سوريا، لا يمكن ان يأتي رئيس ولا يمكن ان يحل المواضيع الاقتصادية والاجتماعية، او ان يكون في كفة الممانعة ويعادي التوجه العربي في حين ان على العرب إعادة الإعمار مجددا في لبنان. هناك قضايا كبيرة جداً. لبنان بحاجة لرئاسة وغير صحيح كما يقال انه يحكم نفسه بنفسه، لان مؤسساته تتحلل وتنهار. عن اي تسوية نتحدث. الدول غير متحمسة لإنجاز تسوية، وهي لا تستطيع ان تفرض هذه التسوية طالما ان هناك تعطيلا واضحا. هذا الانجاز لا يمكن ان يكون بالابتعاد عن حزب لله لأنه يمثل شريحة نيابية في المجلس ولها القدرة على التعطيل، ولا بإرضائه، لأن الموافقة على ما يقوله الحزب غير متوافرة. الواضح ان حزب الله او الممانعة تستطيع ان تعطل لكن لا تستطيع ان تفرض. هي تحاول ان تقدم اوراقها بعد حرب طوفان غزة لتستثمر ولتذهب بمقايضات. لكن كيف ستكون هذه التسوية وما هي الحلول التي سيتم التوافق عليها، هنا يبدأ السؤال عن الرئاسة القادمة. الأنظار كلها تتجه اليوم نحو الرئاسة الاميركية لأن ملف العالم متعلق بها وبكيفية إنضاج تسوية جيو سياسية.
ويختم العزي: “السعودية غير مهتمة حالياً في لبنان، بل بوضعها وموقعها خاصة مع التهديد الأخير من الحوثيين الذي يضع علامات استفهام كبيرة عما اذ كانت ستتجدد الحرب.