كتبت جوزفين ديب في “اساس ميديا”:
نشر موقع “أكسيوس” كلاماً منسوباً إلى حماس في داخل غزة تتوجّه به إلى حماس الخارج قائلة إنّ وضعها الميداني على الأرض سيّئ جداً. بعد هذا التسريب، تحدّثت القناة الـ12 العبرية الموالية لنتنياهو عن “نجاح” القوات الإسرائيلية باغتيال القائد الميداني في حماس محمد الضيف من دون إعلان ذلك بعد من جهة إسرائيل ولا من جهة حماس. وبعد تسريب أكسيوس نفسها خبر الاجتماع الثلاثي الأمنيّ للبحث في اليوم التالي لغزة مع منظمة التحرير الفلسطينية، تقصّد نتنياهو زيارة رفح شخصياً للدلالة على أنّه يقترب من إعلان دخول المرحلة الثانية من هذه الحرب. فهل يمهّد ذلك لهدنة تُعلن بعد عودة نتنياهو من الكونغرس؟
مصادر دبلوماسية قالت لـ”أساس” إنّ كلمة نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي ستتضمّن مفاجآت سيحملها رئيس الحكومة الإسرائيلي على أن يفجّرها في خطاب مفصليّ ينتظره العالم.
كلّ شيء يصطفّ لمصلحة نتنياهو الذي استطاع حتى الساعة التفلّت من الضوابط الدولية التي وُضعت لحربه. فليس دخول الحوثيين على خطّ المعركة بجديد. فقبل تل أبيب قُصفت حيفا. إلا أنّ الردّ الإسرائيلي هو رسالة لجميع المعنيين بالصراع مفادها أنّ نتنياهو تخطّى اتفاقه مع الولايات المتحدة بعدم توسعة رقعة المواجهة. يأتي ذلك مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب من استحقاقه الرئاسي تاركاً حزبه في حالة إرباك.
ها هو يزور واشنطن على وقع انسحاب بايدن أوّلاً وعلى وقع موقف للرئيس دونالد ترامب يتوجّه فيه لحركة حماس طالباً منها تحرير الأسرى وإلّا فستدفع الثمن.
قبل سفره أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لفريقه المفاوض للذهاب إلى الدوحة واستئناف المفاوضات. وفي المعلومات أنّه سيرفض رفضاً قاطعاً الانسحاب من القطاع، لا سيما من فيلادلفيا ونتساريم، وسيحتفظ لنفسه بحقّ إجراء عمليات أمنيّة نوعية. وتأكيداً لتوجّهه إلى إبرام هذه الهدنة، اجتمع نتنياهو مع أهالي الأسرى الإسرائيليين وكشف أمامهم عن اتفاق قد يبرم لتبادل الأسرى على أن يكون على مراحل. واعتبر نتنياهو أنّ ذلك ليس إلا نتيجة للضغط العسكري التي مارسته إسرائيل في القطاع وأضعفت فيه قتال حماس.
من جهتها تبدو حماس مربكة بين داخلها المأزوم وخارجها المفاوض بعدما أفضت زيارة للصين للمشاركة في مؤتمر المصالحة الفلسطينية مع منظمة التحرير وفصائل أخرى، إلى مصالحة مع فتح.
تدرك حماس أنّ العمل على اليوم التالي بدأ جدّياً. وستسعى إلى أن يكون لها مكان بناء على نتائج المعركة التي خاضتها. إلا أنّه وفق المصادر الدبلوماسية لا مكان لحماس الداخل في اليوم التالي كما يخطّط نتنياهو. في المقابل تتقاطع منظمة التحرير الفلسطينية مع الكلام عن ترحيبها بأيّ تعاون لاحق على حكم غزة لكن مع حماس الخارج فقط وليس مع الجناح العسكري.
هل دخلنا المرحلة الثانية للحرب؟ قد تكون الأيام المقبلة فاصلة، سيما أنّ الأمين العام للحزب حسن نصرالله سبق أن أعلن أنّ هدنة غزة تعني هدنة في لبنان.
ولكن ما هي حسابات نتنياهو؟ هل يذهب الأخير باتجاه الهدنة أيضاً مع لبنان أم ستكون الحرب المفتوحة الأنسب لتحقيق الأهداف التي وضعها منذ بداية الحرب وفي تأمين حدوده الشمالية؟
في واحد من خطاباته قال الأمين العام للحزب إنّ الحزب يقف خلف حماس في أيّ هدنة تقرّرها أو أيّ قرار ميداني. وبالتالي إذا نجح المفاوضون في التوصّل إلى هدنة لإجراء عملية تبادل الأسرى، فإنّ هذه الهدنة ستنسحب على الحزب في الجنوب لا على إسرائيل في الشمال.
وفق معلومات دبلوماسية سيكمل نتنياهو، الذي اختار التصعيد في الجنوب قبل سفره إلى واشنطن، تصعيده بعد عودته بانتظار نضوج المفاوضات على حدوده الشمالية. في مفهوم نتنياهو، لا شيء سيوقف اشتعال الجبهة سوى إعراب الحزب عن استعداده للدخول في مفاوضات جدّية والتزام تطبيق القرار 1701. تزامناً، يبدو السباق محموماً مع الوقت لأنّ الموفد الرئاسي آموس هوكستين سيخسر مهامّه مع خروج بايدن من البيت الأبيض. وبالتالي يبدو لبنان عالقاً بين خيارين أحلاهما مرّ: هوكستين أو ترامب.
في السباق مع الزمن، لا يملك الحزب ترف الوقت لأنّ مصير لبنان لم يعد متعلّقاً بأيّ هدنة في غزة، بل هو في عرف إسرائيل ملفّ منفصل له حيثيّاته الخاصة. وما لم يجلس الجميع إلى الطاولة بعيداً عمّا يحاك لغزّة من حلول اليوم التالي، فإنّ التصعيد مستمرّ ومتصاعد في لبنان، وهذه المرّة من دون أيّ ضابط إيقاع أميركي.
بناء عليه، تحدثت مصادر عن بدء التحضير للتفاوض بين لبنان وإسرائيل، على أن ترتكز المفاوضات على انسحاب مقاتلي “الحزب” من أقصى المناطق الجنوبية في لبنان وانتشار مزيد من العديد من عناصر الجيش اللبناني وترسيم الأجزاء الغربية من الحدود بين البلدين.
اليوم يقول مقرّبون من الحزب إنّه حريص على عدم استدراجه إلى حرب كبرى في لبنان. لكن من جهة أخرى لن يكون نتنياهو بحاجة إلى أيّ استدراج ليتوغّل في حربه للوصول إلى تأمين حدوده. ولبنان بحربه وسلمه وحدوده هو في أدبيّات نتنياهو عنوان لا يرتبط بأيّ حرب أخرى ولا هدنة ولا حتى أيّ حلّ آخر منفصل عن الـ1701. فإمّا الذهاب إلى مفاوضات واضحة وإمّا لبنان مقبلٌ على مزيد من التصعيد.