جاء في “الراي الكويتية”:
تتجمّع تباعاً قِطَعُ «بازل» حَربيّ، إما يُترجَم في الميدان في أغسطس المقبل فيكون «آب اللهاب» في المنطقة انطلاقاً من جنوب لبنان، وإما يحصلُ اختراقٌ بالغ الصعوبة يتيح سكْبَ مياهٍ تبريدية في غزة و«أخواتها» تمهيداً لمساراتٍ أكثر نهائية، وإما يختار اللاعبون على حافة الهاوية وبالنار المشتعلة في القطاع و«جبهات الإسناد» التكيّفَ مع المنسوب الحالي من المواجهة، مع بعض «الارتقاءات»، وتالياً تمديد مراكمة النقاط في معركةٍ يَستحيل أن تنتهي بـ… ضربة قاضية.
وطغى هذا المثلث من الاحتمالات على المشهد اللبناني الذي راقَبَ بقلقٍ مجموعة مؤشراتٍ ارتسمتْ في الساعات الأخيرة من واشنطن، ونيويورك، إلى موسكو، وتل أبيب، ولبنان وليس انتهاءً باليمن، بالتوازي مع استعادة دول مثل كندا والسويد تحذيراتها لرعاياها من السفر إلى لبنان.
وأبرز هذه المؤشرات:
– خطابٌ بدا وكأنه «بالمرقّط» لبنيامين نتنياهو أمام الكونغرس «المصفِّق» في غالبيته، والذي رَسَمَ معه رئيس الوزراء الإسرائيلي معادلةً سرعان ما تلقّفها الرئيس السابق دونالد ترامب عشية لقائهما، وقوامها «تسريع إنهاء الحرب، بتسريع المساعدات الأميركية» مستبطناً طيّها على قاعدة «إنهاء حماس».
وفي كلامه الذي وَضَع معه خريطةَ طريقٍ «لمنْع اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط» – في إشارةٍ الى توسيع المواجهة مع «حزب الله» – تمرّ «بتسريع إنهاء حرب غزة»، وتأكيده أن بلاده «ستقوم بكل ما ينبغي لضمان أمن حدودها الشمالية»، ثم تركيز هجومه على «محور الإرهاب الإيراني (…) وعندما نقاتل حزب الله فإننا نقاتل إيران (…)»، بدا نتنياهو بحسب أوساط سياسية وكأنه يحاول إجراء «مقايضةٍ مستحيلة» في نظر «محور الممانعة» بين اجتثاث «حماس» وبين الحرب الشاملة.
ففي رأي هذه الأوساط أن «المحور» أعطى ما يكفي من إشاراتٍ إلى أن سقوط «حماس» بالكامل ممنوع، باعتبار أن هذا سيَفتح الطريقَ إلى «التالي»، وفي هذه الحال «حزب الله»، الذي يتم التعاطي مع ارتقائه في العمليات والاختراقات الجوية لإسرائيل على أنه لزيادة الضغط على نتنياهو لبدء السير بمقترح بايدن، وهو ما يشكّل «الاسم الحَركي» واقعياً لمنْع انفلاتِ جبهة الجنوب – رغم كلام الحزب عن الجهوزية الكاملة للحرب – في الوقت الذي تَجْري مقاربةُ الضربة الحوثية في قلْب تل أبيب على أنها في جانبٍ آخَر بدايةُ ترسيمٍ لـ «جبهة إشغالٍ» مستنسَخة «ولو عن بُعد» لجبهة الجنوب اللبناني لتحذير إسرائيل من مَغبة الهجوم الواسع على الحزب والذي سيعني تفعيلاً بالنار لوحدة الساحات بأعلى مستوى.
– إعلان هيئة البثّ الإسرائيلية أن الجيش أبلغ القيادة السياسية اكتمال الاستعدادات لمناورة برية كبيرة في لبنان، وأنه «يُعِدّ قبل المناورة البرية لتنفيذ عمليات جوية قوية»، غداة مؤشر اعتُبر مقلقاً وشكّله إخطار وزير التربية الإسرائيلي يوآف كيش رؤساء المستوطنات التي تم إخلاؤها على الحدود مع لبنان بإلغاء العام الدراسي المقبل في مستوطناتهم.
– ما ذكرتْه الخدمة الصحافية التابعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن لقائه مع نظيره السوري بشار الأسد في الكرملين، لجهة قول «القيصر» إن «الوضع في المنطقة يميل نحو التصعيد، ويمكننا أن نرى ذلك».
«ناقوس خطر»
– تحوّل جلسة مشاورات مجلس الأمن حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن القرار 1701 منصّة لـ «ناقوس خطر» قُرع بالصوت العالي، بدءاً من انطونيو غوتيريش الذي تَرجمت وسائل إعلام لبنانية كلامه حول الوضع على جانبي الخط الأزرق بأنه يثير «الجزع الشديد» وحضّه الجميع على العودة إلى إلتزام الـ 1701 لتجنب المواجهة المدمرة.
وفي خلاصاته حول تقريره، لفت إلى «أن دورة التصعيد بين حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى غير التابعة للدولة في لبنان وبين جيش الدفاع الإسرائيلي تؤثر بشدة على السكان المدنيين على جانبي الخط الأزرق وتشكل تهديداً خطيراً لاستقرار لبنان وإسرائيل والمنطقة».
وإذ شدد على «أن ما يثير الجزع الشديد تكثيف عمليات تبادل إطلاق النار وتوسيع نطاقها الجغرافي مصحوبة بخطابات تزداد عدائية وبتهديدات بحرب شاملة»، دعا حكومة لبنان «لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة حتى لا تكون هناك أي أسلحة في لبنان غير أسلحة الدولة أو سلطة غير سلطتها بما في ذلك من خلال التنفيذ التام للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف ومن القرارين 1559 و1680 التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان».
خطأ في التقدير
بدورها، قالت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس – بلاسخارت في الإحاطة التي قدّمتها الى مجلس الأمن «إن لبنان والمنطقة برمّتها لا يزالان على حافة خطر محدق»، معربة عن خشيتها من«أن يؤدي أيّ خطأ في التقدير من قبل أي طرف إلى اندلاع صراع أوسع يطول المنطقة بأكملها».
وعلى وقع هذه المخاوف الكبرى، وفيما حضر الوضع على الجبهة الشمالية وآفاقه في لقاء بايدن – نتنياهو أمس، استمرّت التحريات عن خفايا تعميق «حزب الله» اختراقاته الجوية «الكاسرة» للدفاعات الإسرائيلية والتي طاولتْ هذه المرة قاعدة«رامات دافيد» الجوية، وهي القاعدة الإسرائيلية الأكبر في المنطقة الشمالية، وتضمّ تخصصات متعددة على مستوى سلاح الجو الإسرائيلي، بما في ذلك الرصد والاستطلاع وتنفيذ الهجمات، والتي تقع على بُعد نحو50 كيلومتراً من حدود لبنان الجنوبية.
وجاءت «رسالة» الفيديو الثالث الذي يبثّه«حزب الله»وهو من«إنتاج» مسيّرة«الهدهد»والذي وُضع نشْره برسْم نتنياهو وزيارته لواشنطن وخطابه أمام الكونغرس، مدّججة بأبعاد أمنية وأخرى عسكرية ردعية.
فما عادتْ به المسيَّرة من مسحٍ دقيق للقاعدة «المكشوفة» بالكامل، بمدارجها وأماكن سَكَن الطيارين ومخازن الذخائر وخزانات الوقود كما بقائدها، اسماً وصورة، ومنصة «القبة الحديد»، ومقر السرب 109، ومقر السرب 157، ومقر السرب 10، عَكَسَ من جهةٍ استمرار قدرةِ الحزب على الالتفاف على الدرع الجوي الاسرائيلي، إلى جانب أن حتى «سلاح التفوّق» لتل أبيب، أي الطيران الحربي، لن يكون في قواعده بمأمن في أي حرب واسعة وسيكون بحاجة لحمايةٍ «في الجو».
واختار قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال تومر بار، ان يزور «رامات دافيد» ويلتقي عدداً من القادة الإسرائيليين فيها، مشدداً على «حجم المسؤولية التي تقع على عاتق القوات الجوية في مهمة الدفاع عن الشمال».
وإذ قال «إن المسؤولية الملقاة على عاتق سلاح الجو لتنفيذ جميع الخطط العملياتية كاملة، وستكون هنا قبضة قاضية وساحقة»، أضاف «مستعدون للحرب، وإذا اندلعت حرب في الشمال ومع إيران يمكننا التعامل معها، وقادرون على توجيه ضربة ساحقة للعدو ولدينا مفاجآت».
ولم يكن عابراً غداة بث فيديو الـ 8 دقائق، أن يتعمّد «حزب الله» في بيان له أن يكشف «أن وحدات الدفاع الجوي أطلقت صواريخ مضادة للطائرات على طائرات العدو الحربية داخل الأجواء اللبنانية في منطقة الجنوب ما أجبرها على التراجع والانسحاب الى خلف الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة».
في موازاة ذلك، نفّذ الحزب سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات تابعة للجيش الإسرائيلي الذي قصف العديد من البلدات جنوباً وأعلن أن الدفاعات الجوية اعترضتْ مسيّرتين أُطلقتا من لبنان إحداهما قبالة شواطئ نهاريا.