كتب منير الربيع في “المدن”:
لم يكن الخطاب الذي تلاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس الأميركي، بالأمر المستغرب. كان متوقعاً ما سيقوله في محاولة لوضع خريطة طريق حربية جديدة له في المنطقة، يسعى إلى استدراج الولايات المتحدة الأميركية إليها.
ادّعى محاربة إيران وليس الفلسطينيين أو حزب الله، ووضع نفسه في مكان الطرف المدافع عن أميركا وقيم الغرب، مع سردية لا تستحق التقييم. لكن ما أراد أن يفعله نتنياهو هو نوع من الاستعراض أمام الإدارة الأميركية الحالية، خصوصاً أنه سيخوض مفاوضات شاقة مع الرئيس جو بايدن، حول ما ينوي فعله من خلال استكمال الحرب.
طلب الأسلحة
الأكيد حتى الآن أن القرار الأميركي يرفض أي توسيع إسرائيلي للحرب تجاه حزب الله ولبنان، ولكن في المقابل هناك تخوف من أن يكون هناك دعم أميركي من خارج الحزب الديمقراطي ولكن من داخل المؤسسات الأميركية، كالبنتاغون، لتنفيذ إسرائيل عملية عسكرية في لبنان. وهو ما يسعى إليه نتنياهو من خلال مجموعاته الضاغطة. إذ تشير مصادر متابعة إلى أن نتنياهو يعمل على توفير الأسلحة النوعية لتوسيع ضرباته. وتضيف المصادر: “إسرائيل تصرّ على المطالبة بأسلحة نوعية وثقيلة جداً وقنابل تزن أكثر من طن، لإحداث أثر تدميري كبير في الأنفاق أو المناطق. وربما يمهدّ ذلك في ذهن الإسرائيليين إلى التقدم برّياً نحو بعض المناطق الأمامية المحاذية للشريط الحدودي. ويطالب نتنياهو خلال زيارته واشنطن ولقائه مع بايدن، بالحصول على هذه الأسلحة، بالإضافة إلى توفير الغطاء الأميركي لضرب حزب الله، وضرب كل من يهدد إسرائيل، بما فيهم الحوثيين والفصائل العراقية. ولكن لا موافقة أميركية على ذلك، لأن أي عمليات من هذا النوع ستؤدي إلى توسيع نطاق الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية لا يمكن ضبطها”.
خطة بمرحلتين
حسب ما تقول المعلومات، فإن الإسرائيليين يطرحون على الأميركيين خطة مقسمة إلى قسمين. في الأسبوعين الأولين يتم تنفيذ عمليات عسكرية جوية كبيرة لاستهداف وتدمير مخازن الأسلحة والصواريخ، من خلال استخدام أسلحة مخصصة لضرب مخازن وأنفاق تحت الأرض، مقابل التزام من البنتاغون بتوفير نوعيات معينة من أسلحة القصف الثقيلة، لتدمير تحصينات كبيرة من أجل القدرة على التقدم. وقد أرسل الإسرائيليون رسالة ميدانية الأسبوع الفائت عندما تم استهداف مخزن أسلحة وصواريخ في عدلون.
أما القسم الثاني، فهو ما بعد هذين الأسبوعين، حين يعمل الإسرائيليون على التقدم برياً لمسافة 5 كلم. وهو ما يحاول الإسرائيليون ونتنياهو بالتحديد إقناع الأميركيين به. لكن واشنطن غير مقتنعة، لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى العسكري. ومما يقوله الأميركيون لنتنياهو إنه كان قد أعلن في الأيام الأولى للحرب على غزة بأنه يحتاج إلى بضعة أسابيع لتحقيق أهدافه، وقد مرّ 10 أشهر ولم يتمكن من إنهاء المعركة. هنا، يحاول نتنياهو الضغط على الأميركيين بالادعاء أن التأخير في حسم المعركة في غزة سببه قطع الأسلحة عنه، وعدم منحه القنابل الثقيلة التي طالب بها.
“لقمة الحرب”
على الرغم من كل هذا الإستعراض العسكري الإسرائيلي والتسريبات أو التلويحات، هناك في واشنطن من لا يزال مقتنعاً بأن لا حرب ستقع، لأن مرتكزات الدولة الأميركية لا توافق على مثل هذا الخيار، وأن “لقمة الحرب” أكبر بكثير من فم نتنياهو، الذي يسعى إلى استدراج أميركا إلى خيار الانخراط والتورط بالحرب، بالإضافة إلى أن أي حرب على لبنان ستنتج عنها أزمة لجوء كبيرة تضر أوروبا. وبالتالي، فإن الضغوط ستتواصل لمنع نتنياهو من توريط العالم بمثل هذه الحرب. كما أن الرهان على شنّ الحرب حالياً ومجيء ترامب لاحقاً ليسهم في ضبطها ولملمتها، هو أمر غير واقعي وغير متاح.. لأن هذه الحرب لا يمكن أن تبقى إسرائيل هي القادرة على ضبط إيقاعها والحكم بمساراتها ومواقيتها.
وفي هذا السياق تلقت واشنطن رسائل واضحة من إيران وحلفائها، بأن أي دخول إسرائيلي في حرب لن تكون إسرائيل صاحبة القرار في كيفية وقفها وموعد انتهائها.