كتب منير الربيع في “المدن”:
تقصّد المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الإطلالة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة للتأكيد على مواصلة المسار الديبلوماسي سعياً إلى صيغة حلّ أو اتفاق يسهم بتهدئة الوضع في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل.
إشارات هوكشتاين
حملت عودة هوكشتاين على الساحة أكثر من إشارة، أولها تجديد الترابط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، وهو ردّ ضمني على محاولة إسرائيلية للفصل بين الجبهتين إما من خلال حل ديبلوماسي يسبق وقف الحرب في غزة -وهذا غير مقبول من قبل الحزب-، وإما من خلال ما اقترحه نتنياهو خلال زيارته لأميركا بشن عملية عسكرية محدودة ضد الحزب تفرض عليه التفاوض لوقف النار قبل إنتهاء الحرب في القطاع، وهذا مرفوض أميركياً. فلا أحد يعلم كيف يمكن أن تنتهي هذه العملية وهناك مخاطر من إمكانية تحولها إلى حرب. تأكيد هوكشتاين مسألة الترابط هو عبارة عن قراءة واقعية للأوضاع من قبله.
ثاني المؤشرات، هو تأكيده أنه لا يزال حاضراً على خطّ التفاوض وينتظر اتفاق وقف النار في غزة كي يشرع مجدداً في ترتيب الإتفاق مع لبنان، وهو، بذلك، أراد الردّ على كل المعطيات التي تحدثت عن تراجع دوره أو تأثيره.
ثالث المؤشرات هو إشارة أميركية ضمنية تتضمن مزيداً من الضغط على الإسرائيليين حول وجوب العمل على إيجاد حلّ ديبلوماسي مع لبنان بدلاً من خيار التصعيد العسكري الذي يطرحه نتنياهو، مع إعطاء دفع أميركي لمفاوضات وقف النار وعقد اجتماع جديد للمفاوضين في روما.
التخوف الأميركي قائم
إلى جانب مواقف هوكشتاين لا تزال مؤشرات التخوف الأميركية قائمة، وتجلى ذلك بالقرار الذي اتخذه بايدن حول السماح ببقاء اللبنانيين المنتهية تأشيراتهم في الولايات المتحدة الأميركية بسبب تطورات الوضع بين حزب الله وإسرائيل. في مقابلها برزت زيارة لنائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الموارد البشرية إلى لبنان وهي كانت بدافع البحث في كل خيارات عمليات الإجلاء للأميركيين والإطلاع على الوضع عن كثب في حال تطورت الأوضاع، وهذا يعني أن واشنطن غير واثقة تماماً مما يمكن أن يقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
جهوزية حزب الله
ما إن أطلّ هوكشتاين طارحاً موقفه ومعادلته، حتى أطل حزب الله برسائله التحذيرية والتهديدية والتي تتضمن مؤشرات حول الإستعداد للتصعيد. أطل الحزب على طريقته من خلال إطلاق مسيرة باتجاه حقل كاريش، في تكرار لمشهد ما قبل إنجاز هوكشتاين للترسيم البحري عندما أطلق الحزب مسيرات باتجاه المنصة العائمة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اتفاق الترسيم ينص على عدم تعرض أي طرف للمنطقة الإقتصادية الخالصة للطرف الآخر، وبالتالي فإن رسالة حزب الله تتضمن إشارة تصعيدية يعلن فيها الجهوزية لتجاوز قواعد الإشتباك في حال أصر الإسرائيليون على تهديداتهم أو عملوا على تصعيد العمليات العسكرية.
ضغط مستمر
كل ذلك يحصل وسط زيادة منسوب الضغط الأميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه إلى القبول بالصفقة في غزة ووقف النار لتجنب التصعيد الإقليمي، وهذا ما حصل خلال لقائه ببايدن وبالمرشحة الرئاسية كامالا هاريس. فخطاب هاريس الذي كان مكتوباً لم يكن اعتباطياً، إذ منذ اندلاع حرب غزة وبعد مضي شهرين أو ثلاثة أشهر بدا أن بايدن قد خسر أصوات الشباب الديمقراطي بدليل المظاهرات التي انطلقت في الجامعات الكبيرة، وخسر أصوات اليسار الديمقراطي، وأدركوا أن الشباب واليسار لن يصوتوا لترامب لكنهم لن يصوتوا لبايدن أيضاً، مما اضطر هاريس أن تطلق فور استقبالها نتنياهو كلاماً يلامس شعور هؤلاء من أجل إعادة استقطابهم. الديمقراطيون لا يصوتون أبداً للجمهوريين والعكس صحيح، لكن عدداً كبيراً من الديمقراطيين يفضل أن يصوت لقيم أميركا حتى ولو نظرياً.
لبنان والمنطقة ينتظران
من هنا يمكن أن يفهم خطاب كامالا هاريس، وفي الوقت عينه يفهم لماذا لم يبرز بايدن موقفه بعد لقائه نتنياهو بل ترك لنائبته المرشحة الرئاسية أن تعلن هذا الموقف. أما بشأن وقف إطلاق النار في غزة، ففي حال حصل قبل الإنتخابات الأميركية بالتأكيد سيكون لصالح الديمقراطيين، وسيؤدي الى تقليص الفرق بين المرشحين لأنه سيسجل في خانة نجاح أميركا بوقف حرب دامية. وبالتالي هناك اعتبار أن الديمقراطيين أصبحوا أكثر تحرراً في مسألة رفض الحرب وممارسة المزيد من الضغط على نتنياهو.
لبنان، كما كل المنطقة، في حالة انتظار لما ستسفر عنه هذه الضغوط والتي في حال لم تنجح فإن مؤشرات التصعيد ستكون أكبر.