كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
إذا كانت الجبهة الجنوبية تحافظ على سخونتها بين حزب الله وإسرائيل مساندة لحرب غزة، فإن الجبهة الداخلية لا تقل سخونة ولاسيما على خط القوات اللبنانية والثنائي الشيعي على خلفية الملف الرئاسي وتبادل الاتهامات حول من يعطّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، هل من لا يستجيب لدعوة الرئيس نبيه بري إلى الحوار قبل الانتخاب أم مَن يريد تكريس أعراف خارجة عن الدستور ولا يدعو إلى عقد جلسة انتخابية بدورات متتالية وينسحب من الجلسة فور بدء الدورة الثانية؟
اللافت أن هذا السجال بدأ يتطوّر ويتفاقم أكثر بعد مبادرة قوى المعارضة التي وضعت خريطة طريق تسهيلاً لانتخاب رئيس والتقت ممثلين عن مختلف الكتل النيابية وشرحت موقفها، لكنها عندما طلبت موعداً للقاء نواب الثنائي الشيعي «حركة أمل» و«حزب الله» تأخر الموعد إلى ما بعد ذكرى عاشوراء قبل أن تتبلغ اللجنة المصغرة للمعارضة برفض تحديد موعد، ما جعل المعارضة تستغرب كيف يعتبر الثنائي «الحوار ممراً إلزامياً لانتخاب رئيس الجمهورية ثم يرفض دعوة المعارضة إلى حوار؟!».
وتأتي خطوة الثنائي الشيعي الرافضة الاستماع إلى مبادرة المعارضة تحت عنوان «رفض التشاطر والتذاكي أو النيل من دور ومكانة الرئيس بري» لكنها في الواقع تؤشر إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من تصعيد المواجهة السياسية وربما غير السياسية في وقت لاحق ربطاً بالمواجهات الدائرة على الجبهة الجنوبية، على اعتبار أن الليونة في التعاطي مع المعارضة لن توصل إلى تحقيق المكاسب في الداخل، وأن تجاوز المعارضة حدودها في الاعتراض يفترض التعامل معها بخشونة.
ولم يعد خافياً أن الثنائي الشيعي يعتبر حزب القوات اللبنانية هو العائق الأساسي أمام صرف نفوذه في الداخل والاتيان بمرشحه سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وأن رئيس هذا الحزب سمير جعجع يشكل العمود الفقري لقوى المعارضة انطلاقاً من حجم التمثيل المسيحي للقوات الذي مكّنها من الحصول على 19 نائباً في الندوة البرلمانية. وهذا ما يفسّر السجالات والتراشق المستمر على خط عين التينة معراب وكان آخره تشديد الرئيس بري على ثلاثية «تشاور فحوار فانتخاب» ورد جعجع باستهجان هذه الثلاثية، معتبراً أنها «تحوِّل المجلس النيابي إلى (لويا جيرغا) بدلاً من أن يكون مجلساً ينبض بالحياة».
وليست المرة الأولى التي ينظر فيها البعض إلى جعجع كعقبة أمام تنفيذ مشروعه. ففي زمن الوصاية السورية جرى التخطيط لتفجير في كنيسة سيدة النجاة لاتهام جعجع بالوقوف وراءه واعتقاله على مدى 11 سنة في زنزانة وزارة الدفاع بسبب مواقفه المبدئية التي لم يعتد عليها كثيرون في لبنان ممن يقبلون التسويات والمساومات أو ممن يبدّلون مواقفهم وفقاً للمتغيرات السياسية. وتعتبر أوساط قواتية «أن المعارضة السيادية لو اعتمدت منذ عام 2005 المواجهة السياسية الحالية بهدف قطع طريق قضم الممانعة للجمهورية لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم ولكان البلد في مكان آخر برؤسائه وحكوماته، رغم أن حجم المعارضة سابقاً كان أكبر من اليوم، ولكن المحور الممانع انتزع، عن طريق التعطيل واستراتيجية (خذ وطالب) مطالب غير دستورية من جهة، ومطالب سلطوية أبقت الدولة مصادرة ومعطلة وفاسدة من جهة أخرى».
ولكن السؤال يبقى إلى أي مدى يمكن أن تصل المواجهة بين القوات اللبنانية وحلفائها وبين الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله؟ وهل يمكن لحزب الله أن يكرر تجربة 7 أيار مع المناطق المسيحية أو أن تُستهدف بعض القيادات؟
لا شك أن حزب الله يتمتع بفائض قوة كبير مكّنه من قلب موازين القوى لصالحه على كل الأفرقاء في الداخل اللبناني، ولا شك أن المخاوف من تكرار الاغتيالات دفعت ببعض القيادات المسيحية وعلى رأسها رئيس القوات ورئيس الكتائب سامي الجميل إلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والتخفيف من التنقلات. وإذا كان حزب الله قادراً على اختراق المناطق المسيحية بفعل تغلغله في الشياح والحدث مروراً بالنبعة وبرج حمود وحي الزعيترية في الفنار وصولاً إلى أعالي جبيل، إلا أن السيطرة على هذه المناطق ليست سهلة، وما حصل في الطيونة وعين الرمانة قد يتكرر. ويحاذر حزب الله الاصطدام بالمكوّن المسيحي نظراً للتداعيات الطائفية الخطيرة التي قد تنتج عنه وتأثيراتها على مستقبل لبنان، وهو يستمع في هذا السياق إلى نصائح الرئيس بري الذي يعرف التركيبة اللبنانية ودقة توازناتها. وكانت معبّرة مسارعة الثنائي الشيعي إلى تطويق ذيول ما حصل في برج حمود معقل حزب الطاشناق الأرمني بعد قيام مجموعات برفع شعارات «شيعة شيعة» في قلب المنطقة والتهويل على أبنائها، ما أثار غضب الحزب الأرمني ودفع بممثلين عن «حركة أمل» و«حزب الله» إلى التواصل مع أمين عام الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان وإدراج ما حصل من حوادث في إطار الأعمال الفردية البعيدة عن الغايات السياسية والتي لا علاقة للحزب والحركة بها.
من هنا، فإن المواجهة بين الأحزاب المسيحية وحزب الله ستبقى إلى حد بعيد ضمن حدود السياسة وفي إطار رفض كل محاولة لوضع البلد في سجن سياسي وأمني كبير واستبدال وصاية بوصاية أخرى.