IMLebanon

“الممانعة” مرتابة من اندفاعة “التنين” الإسرائيلي

جاء في “الراي الكويتية”:

… كيف سيردّ «حزب الله» على الاغتيال النوعي الذي نفّذتْه اسرائيل في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت وطاول فؤاد شكر «قائد حرب 8 تشرين الاول» والمعاون الجهادي لأمينه العام السيد حسن نصرالله؟

وهل يمكن الفصْلُ بين «الانتقام» لـ «الحاج محسن» ولحرْق تل أبيب «خطاً أحمر» باستهداف معقل الحزب وبين «الثأر الواجب» من إيران للاغتيال المدوّي لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في عمق طهران والذي خَرَقَ كل قواعد الاشتباك في الصراع الاقليمي المفتوح منذ «طوفان الأقصى»؟

وهل وصلتْ المنطقةُ إلى حافةِ الصِدام الكبير من خلْف ظهْرِ كل التحذيراتِ من الحرب الشاملة التي بدتْ رهْنَ كيفية تَعاطي «محور الممانعة» مع السلوك «الجديد» لـ «التنين الهائج» بنيامين نتنياهو وإمكان استيعاب الضربتيْن أو مُقابَلتهما بـ «جرعة ردٍّ مدروس» لا يشعل ناراً في عموم الإقليم؟

أسئلةٌ لم يَعْلُ صوتٌ فوق صوتها الذي جاء محمَّلاً بهديرِ هجومٍ «ولا كلّ العملياتِ» ضربتْ معه تل أبيب في عاصمة «حزب الله» وطالت قيادياً يُعتبر بمثابة «رئيس أركانه» والرجل الثاني فيه ووقّعت الاعتداءَ بـ «الردّ انتهى» على مجزرة مجدل شمس التي اتّهمتْ الحزب بالتسبّبِ بها، قبل أن تنفّذ وبفارق أقلّ من 6 ساعات هجوماً موجعاً لـ «حماس» ومُرْبكاً لطهران التي اعتُبر أن اسرائيل انتهكتْ، إلى جانب سيادتها و«كرامتها»، هيبتَها وصورتَها كـ قائدةٍ لمحورٍ يَسْهل «تصفية» رأس أحد أطرافه في عقر دارها وبينما كان في حماية الحرس الثوري الإيراني وفي ضيافتها.

توحيد الساحات
وفيما كان تَلَمُّسُ أول طرف الخيط في الخطوة التالية لـ «حزب الله» رداً على عملية الضاحية – التي استُحضرت معها معادلات ردعٍ سبق للسيد نصرالله أن رَسَمَها وليس أقلّها «الضاحية مقابل تل أبيب»، فإنّ استشرافَ آفاق ما سيقوم به الحزب لاستعادة الردع بوجه اسرائيل عبر ضربةٍ «متناسِبة» مع الحدَث، في جغرافيته وهدفه، بدا موْصولاً حُكْماً بكل المسار الذي سيعتمده «محور الممانعة» بإزاء ما اعتُبر «توحيداً لساحاته» بالاستهدافِ المزدوج:

– من تل ابيب التي سددت ضرتبين مؤلمتين في بيروت وطهران وثالثة في ريف دمشق استهدفت مستشاراً إيرانياً في منطقة السيدة زينب، بعد 10 أيام من الهجوم الأول من نوعه الذي شنّته ضد الحوثيين وتحديداً على ميناء الحديدة رداً على المسيّرة على وسط تل أبيب.

– ومن الولايات المتحدة التي نفّذت بين اغتياليْ شكر وهنية غاراتٍ جويةً على قاعدة لقوات “الحشد الشعبي في منطقة جرف الصخر في محافظة بابل، جنوب بغداد.

وأشارت أوساط مطلعة إلى أن الردَّ على ضربة الضاحية، التي نُفذت بطائراتٍ حربية أَطلقت ما لا يقلّ عن 3 صواريخ استهدفتْ مبنى ملاصقاً لمستشفى بهمن وقريباً من مجلس شورى «حزب الله» ودُمّرت غالبية طبقاته وسقط فيه 6 ضحايا من المدنيين (امرأتان وأم وابنتها والطفلان الشقيقان حسن وأميرة فضل الله اللذين يبلغان 10 و6 أعوام) ونحو 80 جريحاً بينهم أطفال، لا يمكن مقاربته من خارج التقديراتِ لخلفيةِ هذا التجرؤ غير المسبوق من نتنياهو العائد من واشنطن.

قراءة الممانعة
وفي حين رأت الأوساط أن «الممانعة» أخطأت في قراءتها لنتنياهو، هي التي ارتكزت في مقاربتها لسلوكه على أنه لا يريد توسعة المواجهة وأن جل ما يسعى إليه هو تمديد حرب غزة للبقاء في السلطة، اعتبرتْ أن هذا المحور بات واقعياً بين خياريْن بإزاء «نتنياهو الجديد» الذي لا يتوانى عن «غرْز أنيابه» في مختلف ساحاته:

الأول إدارة الظهر لحسابات رئيس الوزراء الاسرائيلي وما يضمره من اندفاعته المتهوّرة ولعملياتِ المحاكاة التي لا بدّ أنه أجراها لردٍّ كل من «حزب الله» وإيران على الاستهدافين، والذهاب تالياً نحو «استعادة التوازن» الذي كُسر في الضاحية وطهران بضربات مؤلمة في قلب اسرائيل تَماثلية مع حجم الضرر الأمني والمعنوي الذي وَقَعَ وذلك أياً يكن ما سيترتّب على ذلك من نتائج يمكن أن تَفتح أبوابَ الحرب الشاملة، ولو على جرعاتٍ من ضربة وضربة مضادة.

«المكائد الأخطر»
والثاني إدارة المرحلة بناء على احتسابِ المزيد من «المكائد» الأخطر التي يخبئها نتنياهو وتحديدٍ دقيقٍ للتقديراتِ التي قام بها لِما سيُقْدِم عليه «حزب الله» وإيران وربما محور الممانعة «معاً»، كما لخلفياتِ أدائه المتفلّت من الضوابط كي «يُبنى على الشيء مقتضاه» في ردٍّ لا يكون انزلاقاً نحو «فخ»، وخصوصاً في ضوء ملامح «الخديعة» التي أطلت من رسائل وصلت للحزب عبر موفدين عن تحييد الضاحية وبيروت عن الضربة التي أعدّت لها اسرائيل تحت عنوان الردّ على حادثة مجدل شمس، كما من إشاراتِ الدعم البالغة الدلالات من واشنطن لاسرائيل بوجه أي ضربةٍ انتقامية من الحزب أو طهران بالتوازي مع تقارير عن بوارج حربية أميركية في طريقها إلى السواحل اللبنانية.

وفي هذا الإطار، راوحتْ التقديرات لـ «وحدة الهجمات» من الضاحية الجنوبية إلى طهران مروراً بالعراق ودمشق، بين أن نتنياهو انتزع ضوءاً أخضر من الولايات المتحدة، إبان زيارته لها، لإكمال «مَهمته» وإنجاز «العمليات الأخطر» ومراكمة النقاط الثمينة تمهيداً لإعلان «نصرٍ» يذهب على وهجه الى هدنة يضغط المجتمع الدولي لحصولها، وبين أنه يستغلّ المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة في الطريق الى الانتخابات الرئاسية ويسعى إلى الاستفادة من وضعية «البطة العرجاء» للرئيس جو بايدن لتنفيذ «اجندته» الرامية لزجّ المنطقةِ في فوهة حربٍ يفرض على واشنطن دعمه فيها و«تعالج» في وقت واحد مشكلة «حزب االله» وما يَعتبره «المشكلة الأم» أي إيران، تمهيداً لتسويةٍ تشمل بطبيعة الحال غزة وبشروطه التي لا مكان فيها لـ «حماس» ولا للحزب في نطاق جغرافي قرب الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

مواجهة كبرى
ومَن تسنّى له أمس الاطلاع على أجواء محور الممانعة، شعر بأن ثمة ارتياباً وكأن نتنياهو لم يَترك له أي خيار سوى الذهاب الى مواجهة كبرى، فبدا التهيب سيّد الموقف مع شعور بأن ساعة الحقيقة دنت.

وفي حين راوح الموقف الإيراني بإزاء الردّ على اغتيال هنية على أراضيها و«مِن أراضيها» بين تأكيد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي أن إسرائيل «ستعاقَب بشدة» و«الثأر لاغتيال هنية واجب على إيران» وبين أن الردّ «الذي سيجعل إسرائيل ستندم سيكون بعمليات خاصة»، لم يصدر عن «حزب الله» أي موقفٍ وسط إطفائه «محركاته العسكرية» طوال نهار أمس، تاركاً للاسرائيليين التكهّن بطبيعة الردّ ومداه على اغتيال الحاج محسن بعد أن يصدر بيان النعي، وسط اقتناعٍ بأن ما جرى في الضاحية كَسَر «محرمات» وسيُقابل بالمثل، ولا سيما أن استهداف شكر لم يحصل في الجنوب بل في قلب العاصمة التي لطالما حذّر الحزب من استهدافها ناهيك عن سقوط مدنيين في الغارة.

«الهواتف الآمنة»
وعُلم أن مشاورات بالهواتف «الآمنة» بين ايران وحلفائها استمرت في محاولةٍ لتحديد طبيعة الردّ الذي يمكن أن يردع نتنياهو من دون التورط في حرب كبرى ربما يسعى إليها لاستدعاء العالم إلى حلّ على الحامي لليوم التالي في غزة وجنوب لبنان يستبق «انتقال السلطة» في البيت الأبيض في ضوء الغموض حول هل سيعود بايدن اليه عبر نائبته كامالا هاريس أم يفوز دونالد ترامب.

وفيما كان استهداف الحاج محسن يُقاس أيضاً بما يعبّر عنه من خرق أمني واستخباراتي وربما بشري خطيرٍ أتاح لنتنياهو اغتيال عضو مجلس جهادي يُعتبر بمثابة «شبح» وهو من رفاق القيادي عماد مغنية وقاتَل في البوسنة ومدرَج على قائمة العقوبات الأميركيّة ورصدت واشنطن مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات عنه باعتبار أنه لعب «دوراً محورياً» في تفجير ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 1983، كان بارزاً غمز رئيس الأركان الإسرائيلي من إمكان الوصول الى السيد نصرالله بإعلانه أمس «نعرف كيفية الوصول إلى نافذة معينة في أحد أحياء بيروت».

وفي حين كانت تل ابيب تمضي في رفع التحدي لـ «حزب الله»، هي التي جاهرت ليل الأربعاء بأن شكر سقط في العملية، قبل أن يؤكد وزير دفاعها يواف غالانت أمس «ان عملية ضاحية بيروت كانت مركزة وعالية الدقة ومحدودة»، في موازاة إعلان مسؤولين آخَرين «اننا متأهبون للتعامل مع أي سيناريو بمواجهة إيران وحزب الله، وإسرائيل ليست مهتمة بحرب شاملة لكن الطريقة الوحيدة لمنعها هي انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه»، أوردت صحيفة «يديعوت احرونوت» أن «الحاج محسن» كان يُلقب «بالقائد العسكري الأقدم في حزب الله»، معلنة أن الهجوم كان «أهمّ عملية اغتيال في حرب الشمال وتم بواسطة طائرة F35»، وواصفة شكر بأنه «بمثابة اليد اليمنى لنصرالله وكان مستشاراً لشؤون تخطيط الحرب وإدارتها وأيضاً قائد كل التشكيلات الاستراتيجية للحزب».

وإذ لفت الموقف الأميركي الذي عبّر عنه وزير الدفاع لويد اوستن بتشديده على أنه «إذا تعرّضت إسرائيل لهجوم، فإننا بالتأكيد سنساعد في الدفاع عنها. رأيتمونا نفعل ذلك في أبريل الماضي، وتوقعوا أن نفعل ذلك مرة أخرى، لكننا لا نريد أن نرى ذلك يحدث، وسنعمل بقوة للتأكد من أننا نفعل ما يساعد في خفض التوتر، ومعالجة القضايا عبر الوسائل الدبلوماسية»، تستعدّ بيروت لأن تستقبل اليوم وزيري الخارجية والدفاع البريطانيين ديفيد لامي وجون هيلي اللذين يزوران المنطقة للمساعدة في دفع الجهود لإنهاء الصراع في غزة والدعوة إلى وقف التصعيد في المنطقة على نطاق أوسع.

وفي هذه الأثناء تحوّل لبنان أمس خلية لاتصالات دولية واجتماعاتٍ لـ «خلايا طوارئ»، اقتصادية وصحية، تحسباً لكل الاحتمالات.