كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
أربعة أعوام على جريمة تفجير مرفأ بيروت والسؤال لا يزال نفسه: أين العدالة ؟
أساسا أي عدالة تلك التي يقف مسؤولوها وحاملو لوائها أمام مشهد تلك الأم الثكلى التي رقصت فوق نعش أبيض فيه “رقعة” من بزة إبنها في فوج الإطفاء؟ أي عدالة تلك التي يشهد حكامها وقضاتها على مشهد ذاك الوالد وهو يحمل بيديه كومة حجارة ليملأ فيها النعش قبل أن يلفه بعلم مكلَّل بدموع الأم والزوجة لأن الجسد تشلع كما ضمائر المسؤولين التي لم تتحرك حتى بعد مرور أربعة أعوام لتنطق بالحقيقة والعدالة.
الأكيد أن طبقة الفاسدين تراهن على الوقت لتيئيس أهالي الضحايا الذين يعيشون تلك اللحظات التي خطفت من عمرهم فلذات أكبادهم …لكنهم خاسرون سلفا. فاهالي ضحايا المرفأ لم يتعبوا، لم ييأسوا، لم يتراجعوا خطوة عن المطالبة بالحقيقة، حقيقة من فجر المرفأ ومن المسؤول عن تخزين أطنان نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 ولن… مهما طال الوقت. صحيح أن ثمة حالات بدأت تشعر بانعدام التوازن النفسي، وأخرى باتت أكثر غضبا وتوترا، وقلة قليلة استسلمت لمشيئة الله. إلا أن البحث عن الحقيقة مستمر ومستمر!.
يروي إبن أحد ضحايا المرفأ أنه التقى أحد القضاة الملمين بطبيعة العمل القضائي في لبنان. وبعد الدخول في تفاصيل العراقيل المرصوفة والتي تحول حتى اللحظة دون استئناف التحقيق من قبل القاضي سهيل البيطار ” أن هذا الملف سيفجر البلد وهناك قرار على أعلى المستويات بإقفاله لكنهم لم يجدوا الخاتمة المطلوبة لذلك”.
ما يؤشر إلى وجود نوايا بتضليل التحقيق، كثرة التحليلات والترجيحات التي حيكت حول الجهة التي فجرت المرفأ. فمنذ اللحظة الأولى على الإنفجار سارعت جهات معينة الى اعلان خبر عن انفجار مفرقعات في مستودع في مرفأ بيروت. أكثر من ذلك لم يصدر أي رد او تعليق حول ما ورد على لسان الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بعيدَ الإنفجار حيث قال:” يبدو كأنه اعتداء رهيب كان قنبلة نعم!”.
وحتى لا تبقى الحقيقة في أقبية العدالة النائمة كان الأمل في بيان البرلمان الأوروبي في 13 تموز 2023 في موضوع تفجير المرفأ مع ضرورة المتابعة والملاحقة إذ طالب الإتحاد “بتحقيق شفاف ومستقل وحيادي وفعال في انفجار مرفأ بيروت واعتبره أولوية يجب ضمانتها. وطالب السلطات اللبنانية بالمساعدة على التحقيق مع المسؤولين عن القرارات التي أدت إلى الإنفجار ومحاسبتهم كما طالب بإرسال بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق إلى لبنان وطلب من الدول الأعضاء مساعدة عائلات ضحايا الإنفجار لرفع دعاوى قضائية في محاكم وطنية وأجنبية ومحاكمة السياسيين المتهمين….”.
لكن كل هذه المقررات والمطالب القانونية المحلية والدولية بقيت حبرا على ورق. وبقي السؤال عشية الذكرى الرابعة لتفجير المرفأ: أين العدالة؟
“العدالة آتية وسنبقى نطالب حتى تحقيقها” تقول شقيقة أحد ضحايا المرفأ المحامية سيسيل روكز لٓـ”المركزية” المنكبة على كتابة سطور الكلمة التي ستلقيها في ذكرى 4 آب حيث ستكون نقطة التئام المجموعتين اللتين تنطلق أولهما من ساحة الشهداء وتضم أهالي الضحايا، والمجموعة الثانية من فوج إطفاء بيروت وتنطلق من مقر الفوج في الكرنتينا وصولا إلى نقطة الإلتقاء أمام تمثال المغترب.
وتؤكد روكز أن الهدف الأساسي لأهالي ضحايا تفجير المرفأ هو تحقيق العدالة وتقول ” العدالة حق وليس مجرد أمل نصبو إليه. هدفنا أن تتحقق هذه العدالة بمحاكمة المجرمين وسنواصل تحركنا عبر كل الوسائل ولن نخضع لأية مساومة. وإذا كان المعرقلون والسياسيون يراهنون على الوقت للوصول إلى حل للتسوية فرهانهم ساقط سلفا. شقيقي واحد من أصل 233 ضحية تشلعت أجسادهم بفعل انفجار المرفأ ولم نتمكن حتى من وداعهم. مع ذلك يجرؤون على الصمت والإستمرار في طمس الحقيقة. هذه قصة حق وراح نضل وراهن”.
سياسة التعقل والتروي التي يعتمدها أهالي ضحايا المرفأ قد لا تطول في حال لم يقدم النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي جمال الحجار على تصحيح القرار الذي اتخذه السلف القاضي غسان عويدات وتمثل بمنع التواصل بين قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار والضابطة العدلية وهذا أمرٌ مخالفٌ للقانون لكنه لا يزال ساري المفعول. وإلى حينه لم يتخذ القاضي الحجار أي قرار سواء بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرار القاضي عويدات.
“القانون واضح وهو يفرض عدم عرقلة أعمال قاضي التحقيق العدلي. وما دامت العرقلة موجودة، وهذا مخالف للقانون، يجب إزالة العرقلة من دون أن تكون هناك مهلة محددة ” وتتابع روكز” مهما طال الوقت سنواصل تحركنا ونطالب القضاء بالعدالة وإذا ما استمر نهج المماطلة والتمييع في الملف فالأكيد اننا سنصعِّد ولن نبقى على هذا المنوال في التعاطي مع الملف القضائي خصوصا أنه منذ لحظة توليه الملف أدرك القاضي الحجار أنه شائك، لذا عليه أن يبدأ في فكفكة العقد وبجرأة. هذا لا يعني أننا نملي على القاضي إنما واجب القاضي تسيير العدالة وليس شؤون الفاسدين”.
“قضيتنا محقة” وهل ثمة أولى من أن يعرف أهالي ضحايا المرفأ الذين دفنت غالبيتهم “جزمة” إبنها في فوج الإطفاء، أو قطعة من البزة أو من أشلاء الحبيب والأب والمعيل، من فجر المرفأ ومن المسؤول عن تخزين نيترات الأمونيوم؟