كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
أطاحت إسرائيل في 7 ساعات طائشة بين الضاحية الجنوبية وطهران، ما تبقى من خطوط حمر في صراعها المفتوح مع محور المقاومة. لكنها تحديدا أسقطت قواعد الاشتباك مع حزب الله الذي تلقى الضربة الأشدّ منذ اغتيال القائد العسكري عماد مغنية سنة ٢٠٠٨. فسقوط السيد فؤاد شكر، المعاون الجهادي للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، غيّر المعادلة جذريا، وأدى حكما، معطوفا على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» إسماعيل هنيّة، إلى تغيير كل قواعد الاشتباك في المنطقة، وأسّس لمرحلة جديدة من الصراع المفتوح. لذا سارعت العواصم المعنية إلى محاولة تطويق الأزمة وتحديد الخسائر. فأرسلت موفديها إلى المنطقة، وكانت بيروت محطة بريطانية مزدوجة لوزيري الخارجية والدفاع ديفيد لامي وجون هيلي، فيما وجد المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين نفسه في خضمّ من التخوين واتهامه بعملية خداع كبيرة عبر تمريره معطيات من خلال أصدقائه اللبنانيين بتحييد بيروت والضاحية والمدنيين في أي ضربة إسرائيلية. وطال التخوين أيضا هؤلاء الأصدقاء الذين اندفعوا بدورهم للدفاع عن هوكستين في معرض الدفاع عن أنفسهم.
بات التصعيد أمرا مفروغا منه نتيجة حجم الخسارة التي لحقت بمحور الممانعة، إلى جانب عدم قدرة طهران على تجاوز الخرق الإسرائيلي المتكرّر لسيادتها.
1-على مستوى الحزب، حدّد أمينه العام السيد حسن نصرالله طبيعة الرد على واقعة اغتيال شكر، واصفا إياه بـ«الحقيقي والمدروس جدا»، وهو مؤشر إلى ما هو منتظر في المرحلة المقبلة.
يقارب الحزب استهداف شكر بكثير من الجدية بالنظر إلى ملابسات الاغتيال ورمزية المكان حيث معقله ومنطلقه. أرادت تل أبيب من البقعة الجغرافية التي حصل فيها أن توجّه رسالة مباشرة إلى السيد نصرالله على بُعد خطوات من سكنه المفترض. بذلك تصبح الرسالة مزدوجة: هوية الشخص المستهدف والمكان الذي حصل فيه الاختراق الإسرائيلي.
الراجح أن رد الحزب سيكون بين في منزلة ما بين الحرب والاسناد، بما يعني أنه سيأتي مؤلما لكنه في الوقت عينه لن يذهب حد استدراج الحرب. كما أنه سيكون استهدافا عسكريا مشابها لواقعة استهداف شكر، بحيث لن يكون عشوائيا يطال مدنيين.
تتحضّر تل أبيب، من جهتها، إلى كل الاحتمالات بما فيها الحرب الموسعة، وإن كان الجيش يتحدّث عن سيناريو تغلب فيه الأيام القتالية، المصطلح المرادف لميني حرب.
2- على المستوى الإيراني، تهتمّ طهران بمشروعها العقائدي التبشيري أكثر من اهتمامها بالأشخاص أو بالثأر لمن يُغتال منهم. هذه حقيقة أكثر ما ثبّتها اغتيال قاسم سليماني والرد الذي اقتصر على بضعة صواريخ على قاعدة عسكرية أميركية في العراق. كذلك جاء العرض الطائر، المدروس هو الآخر، ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق. فهلّ يغيّر هذا الواقع استهدافُ هنيّة في قلب طهران، وفي عقر دار الحرس الثوري؟ إلى الآن، المعلن أن مرشد الثورة الإمام علي الخامنئي أمر في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي بالرد على إسرائيل، وأنه حضر اجتماعا في طهران مع ممثلي المحور لمناقشة الرد المحتمل.
ينطوي مجمل هذا المشهد على اطمئنان نسبي إلى أن ليس في نية المحور إشعال المنطقة عبر حرب ضروس. لكن هذا الاطمئنان يبقى رهن الميدان وواقع الأحداث. إذ لا يمكن لأحد الجزم بما قد تذهب إليه التطورات. وواقعة مجدل شمس المثال الحيّ على ما يستجدّ ميدانيا من خارج الحسبان. هي شكلت منعطفا حادا وغير متوقع في مسار حرب الإسناد بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وهي سبب التدهور الحاصل.
يختصر هذا المشهد سودوية الوضع الإقليمي. فأي من المعنيين ليس باستطاعته بعد الإجابة عن السؤال المحوري: ماذا بعد مقتلتيّ الضاحية الجنوبية وطهران؟ بمعنى آخر، ليس في استطاعة أي جهة مؤثرة الزعم بإمكان احتواء الأزمة، تماما كما ليس في مستطاع أحد تقدير كيفية ردّ محور الممانعة، أو إمكان تكرار أو نسخ سيناريو الضربة الإيرانية لتل أبيب والتي جاءت في حينه مدروسة.
سيمرّ الانتظار ثقيلا إلى حين نضوج اكتمال تحضيرات ردّ كل من حزب الله على اغتيال شكر وإيران على اغتيال هنية. والردّ، سواءٌ أتى متلاحما أو منفصلا، سيحدد بالتأكيد الخطوة الإسرائيلية اللاحقة، وإن بات مستبعدا تكرار سيناريو الردّ الاستعراضي. ذلك أن اغتيال كل من شكر وهنية شديدا الأذية على حزب الله وطهران وحركة حماس، وتخطى قواعد الاشتباك المعمول بها او المتعارف عليها عُرفا، مما يحتّم ردا متماثلا لا يقل إيلاما وأذى.