كتب ميشال طوق
تتعمق الهوة يوماً بعد يوم بين بعض المكونات في لبنان وبين باقي اللبنانيين، الذين بمعظمهم، تراضوا ضمنياً على أن الدين لله والوطن للجميع، وعلى مختلف دياناتهم ومذاهبهم، متفقون على العيش في ظل دولة سيدة حرة مستقلة تحترم وتصون إلإنتماءات الدينية لكل مواطنيها، تماماً كما حال الدستور اللبناني.
لكن للأسف، صدّرت لنا الثورة الإسلامية التي سيطرت على إيران منذ نصف قرن تقريباً، والتي أعادت إيران المتطورة العصرية مئات السنين الى الوراء، صدّرت لنا الفكر الإستكباري الإستعلائي التعصبي المتزمت الذي لا يقبل الرأي الآخر أبداً ويسعى لإسكاته بكل الطرق المتوفرة، ساعياً لفرض سيطرته وفكره وأيديولوجيته وطريقة عيشه الرجعية على الآخرين.
هذه الهوة الكبيرة تبدأ بالمايوه على شاطىء البحر وقنينة البيرة والسهر والمرابع الليلية، مروراً بطريقة العيش بمجملها ومقاربة الحياة وماهيتها، ولا تنتهي بشكل وتفكير وتصرفات الله والجنة التي حضرها للمؤمنين!!!!
طبعاً مواضيع خلافية كبيرة وخصوصاً التي تتعلق بالله، لا يتجرأ أحد النقاش فيها، لا بل يسعى هذا الفريق بالتحديد الى إسقاط ما يؤمن به على الآخرين، كإيمان مصدّق عليه منزل ومختوم من الله نفسه.
تضمن الحرية أن يؤمن أي كان بما يريد هو، لكن أن يفرض إيمانه على الآخرين، فهذا أقل ما يمكن أن ينتج عنه هو الحروب وصراع الحضارات، وتلك العصور الغابرة ولّت الى غير رجعة.
هكذا أطل علينا الأمين العام لحزب الله ليخبرنا عن الحرب التي فتحها على حسابه، ودفع وسيدفع ثمنها الباهظ جميع اللبنانيين من حسابهم، وكالعادة أطلق التهديد والوعيد الذي لا يعرف توقيته ولا حجمه بإنتظار أوامر الولي الفقيه، لكنه بشرنا بأنهم جميعهم يتطلعون الى ملاقات الحسين!
طبعاً هذا من حقه هو وغيره وهذا إيمانه ونحترمه ولا علاقة لأحد به، لكن عندما يصبح إيمانه هو المحرك الأساسي للحروب والصراعات التي يُدخل بها لبنان وجميع اللبنانيين، ويجعلهم يدفعون الأثمان الباهظة لعقود قادمة جراء الكوارث التي يزجهم بها، فهذا لا يدخل بتاتاً ضمن حرية الرأي والمعتقد التي يضمنها الدستور اللبناني، وإنما إنقلاب سافر على الدستور والأعراف وكل المفاهيم، وإحتلال مقنع خبيث، وهذا لن يمر ولن يستمر ولا يمكن أن يرضى به اللبنانيون الذين قاوموا أعتى الإمبراطوريات والديكتاتوريات والطغاة من قبله، وطبعاً من بعده.
تعلم وإقتنع اللبنانيون بعد الحرب الأهلية أنه لا بديل عن الدولة القوية التي تحمي وجود وحقوق كل اللبنانيين بغض النظر عن طوائفهم، وهذا ما يعمل من أجله السواد الأعظم منهم، وليس هناك أي خيار آخر أمامنا، وإذا كان الخيار الوحيد المتاح لنا، أن نختار بين حريتنا وبين أي شيء آخر، فحتماً ومن دون أي تردد وتفكير، سنختار حريتنا على مهما كان هذا الشيء الآخر.
لا يمكن لأي فريق أن يضع إستراتيجية صراع تاريخي عقائدي ديني مع مجموعات أو دول أخرى ويورط بها كل اللبنانيين الآخرين، لا بل ولوقاحته وزهوه بقوته الزائفة، يريد من الآخرين أن يدعموا ويساندوا ما يقرره هو، بالرغم من أنه إعترف بلسانه أنه ليس هو صاحب القرار، ما يعني أنه يريد إلزامنا بقرار يأتيه من خلف البحار، وإن لم تؤيده بهذا القرار الغريب، تبدأ سينفونية التخوين الجاهزة دائماً لرميها على الآخرين.
أعيد وأكرر لمن يقرأ ويفهم ولا يقول ما أنا بقارىء، لم ولن نترك أرض آبائنا وأجدادنا وقديسينا مهما كثرت الصعاب وكبرت التضحيات، وحتماً، لن نسمح لأحد مهما علا شأنه وعظمت مقدرته، من أن يفرض سيطرته وتفكيره وطريقة عيشه علينا، مهما كان الثمن.