جاء في “الراي”:
بين مسيَّرات «حزب الله» في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة، والتي بدتْ بمثابة «إشارةٍ دخانيةٍ» لارتقاءِ المواجهة على جبهة جنوب لبنان، استبقت إطلالة أمينه العام السيد حسن نصرالله، بعد ظهر أمس، وفي الطريق إلى الردّ المنتظَر على اغتيال رئيس أركان حزبه فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين سيرِ المنطقة «على جَمْرِ» الردّ الذي اكتملتْ الجهوزيةُ له من طهران على اختراق عاصمتها واغتيال إسماعيل هنية الذي كان في ضيافتها وتحت حمايتها، بدا لبنان وكأنه يَمْشي على حبلٍ مشدود بلا أي شبكةِ أمانٍ تحته تقيه اصطداماً إقليمياً كبيراً قد يجد نفسه في فوهته، وهو المكشوف مالياً واقتصادياً ويعاني أزمة رئاسية مستعصية، ما يجعله مرشّحاً لـ… سقوطٍ مميت.
وفيما العالم «على أعصابه» ترقُّباً لردِّ إيران و«حزب الله»، معاً أو كلاً بمفرده، على ضربتيْ ضاحية بيروت الجنوبية وطهران، وعلى طبيعة «الثأر» الذي سيحقق «التعادل بالدم» مع تَفادي «جرعة زائدة» تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باباً لردّ مضاد أعنف، بلغ حَبْسُ الأنفاس ذروته وسط تقارير تحدّثت عن أن إيران حرّكت منصات الصواريخ التي ستحمل الضربة «الموقّعة» والمتوقَّعة، وأن الحزب ينتظر «الفرصة» الأنسب للنفاذِ إلى هدفٍ يُحاكي السياق الذي جاء فيه اغتيال شكر.
وفي حين تَجاوز العالمُ مسألة الردّ الحتمي، ليبقى السؤال هل يكون منسَّقاً بين إيران والحزب ولكن غير متزامن، أو «متعدّد الجبهة» بين طهران وحلفائها في العراق واليمن، فإنّ المسارَ الذي ستسلكه الحرب المحدودة في المنطقة وإمكان انزلاقها إلى انفجارٍ شامل بدا رهناً بمسألتين:
– أوّلهما نجاح طهران والحزب في ردّ مدروس وجِراحي ومنضبط يحيّد المدنيين ويأتي تحت سقف الإستراتيجية التي لطالما اعتمدتْها طهران بتلافي جرّها إلى مواجهةٍ على طريقة «يا قاتل يا مقتول» تضع على المحكّ كل ما راكمتْه على مدى عقود من تمدُّدٍ لنفوذها في ساحات المنطقة وقد تدفعها إلى صِدام «ممنوع» مع الولايات المتحدة، كما يمكن أن تجعل «حزب الله» أقوى أذرعها على الإطلاق، أمام خطر خوض معركة «بلا خطّ رجعة» يمكن أن تقوّض أيضاً وضعيته الداخلية في لبنان.
– والثانية كيفية تَلَقُّف نتنياهو الردّ، وهل سيَعتبر الأمر بمثابة طيّ لصفحة اغتيال شكر وهنية في ضوء البُعد العميق لِما قامت به إسرائيل والذي لا يمكن لمحور الممانعة أن يمرره بلا ضربةٍ أقله «تردّ الاعتبار» إن لم يكن الردع بالكامل، أم أنه سيكمل في سلوكه الجديد «الذي لا يمكن التنبؤ به» فيستخدم ما ستقوم به طهران والحزب لردٍّ أقسى داخل الجمهورية الإسلامية وعمق لبنان، بما يستدرج مرحلةً من الضربات المتبادلة قد تخرج عن السيطرة ويمكن أن تجد واشنطن نفسها في قلبها.
وإذ كانت «الحرب النفسية» تشهد تَزْخيماً مع تظهير إسرائيل خيار «الضربة الاستباقية» بأنه مازال على الطاولة في حال «اكتشفت أدلة قاطعة على أن طهران تستعد لشن هجوم» وسط تسريب نتائج استطلاع للرأي حول تأييد 48 في المئة من الإسرائيليين هجوماً استباقياً ضد إيران و«حزب الله»، فإن ثمة مَن تعاطى مع التطورات المتدحرجة على جبهة الجنوب أمس، على أنها في إطار «رسائل بالنار» لِما قد يكون في مرحلة ما بعد الردّ في حال كانت له «تتمات».
ورغم أن «حزب الله» وضع الهجوم الذي نفّذه بمسيّرات بين عكا ونهاريا في إطار الرد على سقوط مدنيين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان مساء الاثنين، فإنّ تعمُّده الضرب على عمق نحو 20 كيلومتراً ونجاحه في اختراق الاستنفار الإسرائيلي الكامل تحسباً للردّ على اغتيال كل من شكر وهنية اعتُبر في إطار رسالةٍ لتل أبيب حيال ما يمكن أن ينتظرها لو اختارت فتْح «الحرب المتسلسلة» (من ردّ وردٍّ مقابل يتوالى).
ولم يكن عابراً ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية، عن أنّ «حزب الله» استخدم أمس في الهجوم على نهاريا مسيرات كهربائيّة طراز «شاهد 101» ومعروفة بـ«المسيَّرة الصامتة» الأمر الذي يفسّر عدم رصدها لدى اقترابها من الأرض وانفجارها وسط الشارع رقم 4 في نهاريا كونها كاتمة للصوت.
وكان الحزب أعلن أنه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على عملية الاعتداء والاغتيال الذي نفذه العدو الإسرائيلي في بلدة عبا (الجنوب)، شنّ مجاهدو المقاومة الإسلامية هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات الانقضاضية استهدفت مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال عكا المحتلة وأصابت أهدافها بدقّة وحققت إصابات مؤكدة».
ونشر الإعلام الإسرائيلي فيديو يُظْهِر مسيَّرات تابعة للحزب تحلق فوق عكا ونهاريا وتقصف هدفاً عسكرياً، وذكرت وسائل إعلام عبرية أن المسيّرات أصابت منطقتَين مختلفتَين في نهاريا، قبل أن تتحدث هيئة البث الإسرائيلية عن 19 إصابة، بينهم 6 جنود، وأن أحد الجرحى قضى لاحقاً.
وبعدما أكد رئيس بلدية نهاريا أن «طائرات عدة حلقت وانفجرت في المدينة»، مشيراً إلى أن «هناك أضراراً وتقارير عن وقوع إصابات»، وأضاف «على إسرائيل أن تقرر تطبيق القانون، وما يحدث في نهاريا يجب أن يحدث في بيروت»، أعلن الجيش الإسرائيليّ أنّ «تحقيقاً أوليّاً أظهر أن صاروخاً اعتراضيّاً أخطأ الهدف وسقط على الأرض، ما أدى إلى إصابة عددٍ من المدنيين في نهاريا».
وأضاف رئيس بلدية كريات شمونة، أن 9 ملايين إسرائيلي يعيشون في حالة هلع وتحت التهديد في ظل اشتعال جبهة شمال إسرائيل جراء هجمات «حزب الله»، وسط الترقب لرد إيراني.
وعلى موجة الرسائل نفسها، مضت إسرائيل في الضربات القاسية لـ «حزب الله» والترويع للبنانيين بخرق جدار الصوت مرتين بفارق دقائق فوق العاصمة بيروت التي اهتزت كما لم يسبق لها، ما أدى الى حال ذعر وتكسير زجاج في عدد من المناطق.
وأغار الطيران الحربي على بلدة ميفدون (النبطية) التي استهدفها للمرة الأولى ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، نعى «حزب الله» 5 منهم، وأحدهم أمين بدرالدين، الذي ذُكر أنه ابن شقيق مصطفى بدرالدين، المتهَم باغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي اغتالته إسرائيل قبل أعوام في سورية.
وأفاد الجيش الاسرائيلي بأن «طائرات حربية لسلاح الجو أغارت وبتوجيه استخباري من الشاباك وهيئة الاستخبارات العسكرية على مبنى عسكري في منطقة النبطية في جنوب لبنان والذي كانت تستخدمه وحدة جبهة الجنوب التابعة لحزب الله».
في موازاة ذلك، حذر وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، في القاهرة، أمس، من «انزلاق المنطقة لحرب إقليمية شاملة، مؤكداً رفضه الاغتيالات السياسية وانتهاك سيادة الدول».
من جانبه، قال بوحبيب، إن الحكومة اللبنانية تحاول منع «حزب الله» من «رد» على إسرائيل قد يؤدي إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط.
وعلى وقع هذه الأجواء المشدودة، أبقت شركات طيران عدة على قرار وقف الرحلات الى لبنان، فيما استعدّت جهات دولية وعربية لإمكان بدء تفعيل خطط إجلاء رعاياها من لبنان إذا تفاقمت الأمور.وفي حين أعلنت الخطوط الملكية الأردنية أنها ستسيّر 3 رحلات إلى بيروت لنقل الأردنيين لإتاحة الفرصة لمن يرغب منهم بالعودة إلى عمّان، ذكرت مجلة «شبيغل» الألمانية أن ألمانيا تستعدّ لإجلاء رعاياها من لبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.وتابعت المجلة من دون أن تكشف عن مصادرها، إن القوات الجوية الألمانية تجهز أسطولا صغيرا من طائرات النقل (إيه400إم) لنقل الرعايا من بيروت إلى قبرص.