كتب منير الربيع في “المدن”:
صورتان انقسمت منطقة الشرق الأوسط من حولهما. صورة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي مايكل كوريلا في إسرائيل إلى جانب المسؤولين العسكريين الإسرائيليين. وصورة أمين المجلس القومي الروسي سيرغي شويغو في طهران إلى جانب المسؤولين العسكريين الإيرانيين. تأتي الصورتان على وقع تصعيد تنتظره المنطقة مع انتظار الردّ الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي العسكري الكبير فؤاد شكر. يمكن للصورتان أن يوضحا حجم الانقسام العالمي الممتد من الصراع الأوكراني إلى الحرب الإسرائيلية على غزة.
في أوكرانيا وقفت إيران إلى جانب روسيا ومدَّتها بالطائرات المسيّرة. حالياً، تريد طهران لموسكو أن تقف إلى جانبها، خصوصاً لناحية تزويدها بأسلحة دفاعية جوية. خصوصاً أن إيران تتوقع رداً إسرائيلياً على ضربتها المرتقبة وتريد التصدّي لها. في المقابل، الولايات المتحدة الأميركية تدعم إسرائيل في حربها على غزة، وفي الدفاع عنها بمواجهة أي ضربة إيرانية أو من قبل حزب الله، ولكن من دون وجود رغبة أميركية بتوسيع الحرب والانتقال إلى مواجهة إقليمية مفتوحة. وهذا ما يسعى إليه الأميركيون مع الإيرانيين ومع الإسرائيليين. ولكن من غير المعروف كيف ستنتهي نتيجة المساعي.
بحسب ما تكشف مصادر ديبلوماسية، فحّتى الساعة الثانية من فجر الثلاثاء، استمرت المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران عبر قنوات مختلفة، من دون أن تؤدي إلى أي نتيجة، لا سيما مع إصرار طهران على تنفيذ ردّ جدّي وموجع. في موازاة هذه المساعي، حطّ شويغو في إيران حاملاً ثلاث رسائل أساسية. الأولى التضامن الروسي مع طهران والمساعدة لمساندتها دفاعياً ولكن ليس هجومياً. الثانية، نصيحة بعدم الانجرار إلى فخ نتنياهو الذي يسعى إلى إشعال حرب إقليمية، واستدراج الأميركيين مباشرة إليها. فما لا تريده موسكو هو أن يتدخل الأميركيون بهذه الحرب، كي لا تصبح روسيا مضطرة للتدخل. أما الرسالة الثالثة والأساسية، فهي محاولة تحييد سوريا كساحة لهذه المواجهات، حفاظاً على المصالح الروسية وعلى القواعد العسكرية. لأن اشتعال الجبهة السورية سيؤدي إلى أضرار كبيرة على دول كثيرة. وحينها ستكون موسكو مضطرة للانخراط.
الرسائل الروسية أيضاً وصلت إلى مسؤولين لبنانيين وإلى حزب الله، وهي رسائل ناصحة بعدم الدخول في حرب واسعة مع إسرائيل كي لا يحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مآربهز فهو يريد إشعال المنطقة، وتعبّر الرسائل الروسية عن قلق من مخاطر كبيرة تحدق بلبنان والمنطقة. يترافق ذلك مع الكثير من الرسائل الدولية التي تدعو إلى التهدئة وخفض التصعيد بالإضافة إلى توقع ما هو أسوأ. وذلك يتجلى بالإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول عبر إجلاء عائلات ديبلوماسييها من لبنان والتحضير لخطط إجلاء المواطنين والموظفين في حال اندلعت الحرب أو المواجهة أو الأيام القتالية.
بالنسبة إلى حزب الله فإن الردّ حتمّي. لا يمكن للحزب السكوت أو التراجع او التخفيف من وطأة ما جرى. وحسب المعلومات، فإن الردّ سيكون عنيفاً وجدياً، لأنه لا يمكن للحزب أن يسلّم باستهداف الضاحية الجنوبية من دون ردّ يعيد تشكيل موازين القوى، ويحيي توازن الردع والرعب. فالضاحية بالنسبة إلى الحزب هي منظومة القيادة الأمنية والعسكرية والاستراتيجية، ولا يمكن القبول بجعلها “سوريا أخرى”. وبالتالي، عدم الردّ القوي سيجعل الإسرائيليين يستسهلون تنفيذ المزيد من العمليات فيها. وهذا أمر من المحرمات لدى حزب الله، الذي ينظر إلى الضاحية باعتبارها تكاملاً عسكرياً وسياسياً واجتماعياً بين الحزب كمؤسسة وجسم تنظيمي وبين الناس الذين يشكلون بيئة حاضنة.
حسب المصادر القريبة من حزب الله، لا خيار إلا بالردّ بقسوة وقوة، ولو كان هذا الردّ سيؤدي إلى مواجهة واسعة أو مفتوحة أو لأيام قتالية. وهذه رسالة واضحة أبلغت للجميع، لأن هناك ثوابت لا يمكن التراجع عنها ولا استسهالها.