جاء في “اللواء”:
تعيش المنطقة برمّتها ومعها العالم حالة من الترقّب والقلق لما ستؤول إليه التطورات العسكرية في الساعات أو الأيام القادمة بعدما توعدت إيران بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، و«حزب الله» بالرد على اغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية.
ويبدو من خلال رفع سقف المواقف في أكثر من مكان ان الأمور ذاهبة الى المزيد من التصعيد، وربما الوصول الى حرب واسعة النطاق، ارتباطا بالرد وطبيعته ومكانه وما إذا كان موحدا من محور المقاومة أو متعاقبا، يبدأ من ايران، التي لم تهدأ الاتصالات الدولية مع المسؤولين فيها بهدف أن يكون الرد مضبوط الايقاع بشكل لا يؤدي الى حرب كبرى في المنطقة، غير ان طهران رفضت الاستجابة لهذه الدعوات مؤكدة انها سترد بما يتناسب وعملية الاغتيال التي حصلت على أراضيها واستهدفت ضيفا لديها، من دون أن تعطي أي اشارات حول مكان وزمان الرد، فالقادة في إيران معروف عنهم برودة الأعصاب ويضرب بهم المثل الذي يقول انهم على استعداد لحفر بئر بإبرة.
فالمعطيات تؤكد أن الرد آتٍ لا محالة، وعلى قاعدة يمكن شهر يمكن أكثر لا زالت تتحضر، يمكن سنة يمكن أكثر لا زالت تتحضر»، تحسب المقاومة في لبنان وطهران حسابات ردّها على عمليتي اغتيال القيادي شكر في الضاحية، وإسماعيل هنية في طهران.
فاليوم أصبحت عقارب الساعة والزمن بين أيديهما فقط، والتأخير والاستعجال في الرد لا يقلق سوى إسرائيل وأميركا ومن يقف الى جانبهما، وهذا ما تفسره حالة الإستنفار التي يعيشها كيان العدو منذ لحظة الاغتيال.
ومنذ إعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أن «على العدو ومن خلف العدو أن ينتظر رداً آتٍ حتماً إن شاء الله وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان»، بدأت إسرائيل بالبحث عن مخبأ تحت الأرض لقادتها، حيث كشفت تقارير إعلامية في الكيان الإسرائيلي، عن قيام جهاز الأمن العام «الشاباك» بتجهيز مخبأ تحت الأرض لقادة الاحتلال، والذي يُطلق عليه البعض لقب «مخبأ يوم القيامة»، تحسّباً لوعود ساحات محور المقاومة بتوجيه هجمات عقابية لإسرائيل.
وهذا دليل آخر على الخوف الذي تعيشه إسرائيل وعلى خشيتها من هذه الهجمات، وأن نتنياهو وحكومته فشلوا بشكل ذريع، حينما ظنوا بأن عمليات الاغتيال واعتدائهم على اليمن، سيؤمّن لكيان الاحتلال الردع ووقف جبهات المساندة للمقاومة الفلسطينية، فتحوّلت الاعتداءات الى حماقة إسرائيلية كبيرة، ستؤسس لمرحلة جديدة من المعركة.
وفي هذا السياق يؤكد مصدر وزاري ان الاتصالات لم تهدأ منذ الأسبوع الفائت في ما بين قيادات محور المقاومة بغية أن يكون الرد مدروسا وقاسياً ويعطي النتيجة المطلوبة بعد أن أصبح هذا الرد حتمياً، موضحاً انه من خلال المواقف التي أطلقت على لسان أكثر من مسؤول إيراني فان الرد سيكون صارما ومدوياً، بحيث لا يكون بمقدور إسرائيل استيعاب الضربة.
ولم يستبعد المصدر في حال تطورت الأوضاع العسكرية أن يقوم «حزب الله» بعملية نوعية من خلال دخول مئات المقاومين الى الجليل بشكل يربك إسرائيل، وهذا الموضوع ألمح إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكثر من مرة خلال اطلالاته، وهذا الأمر أشارت إليه صحيفة «معاريف» التي نقلت عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، قولهم: أعيننا على الأرض وليست بالسماء ونستعد لمحاولات تسلل وسيناريوهات غير متوقعة.
وأكد ان إيران و«حزب الله» لا يرغبان أبدا بتوسيع الحرب، وأن هذا الأمر يتوقف على حجم الرد الإسرائيلي، وفي حال تدحرجت الأوضاع باتجاه حرب واسعة فان محور المقاومة جاهز لخوض هذه الحرب، مستبعداً أن نكون أمام تسوية قريبة وان ذلك لن يتم إلّا بعد الانتخابات الأميركية، أو في حال حصول حدث استثنائي فرض التسوية قبل هذا التاريخ.
في مقابل ذلك فان ما يجري داخل الكيان الإسرائيلي من تحضير لمواجهة الرد يدلّ على مدى تراجع قوة إسرائيل وكسر هيبتها، فهي في تاريخ عدوانها منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية الى اليوم كانت لا تأبه لأي دولة أو يردعها أي شيء، تقتل وترتكب المجازر ولا تبالي، اليوم وبعد عملية «طوفان الأقصى»، وثبات حركة «حماس» طيلة العشرة أشهر الماضي على نفس وتيرة القتال، وسقوط أعداد كبيرة من قتلى جيش الاحتلال في غزة، وفتح جبهة الإسناد من جنوب لبنان إسرائيل باتت أعجز من أي وقت مضى.
فلو كانت هي من تريد الحرب لما انتظرت أحدا، وشنّتها على لبنان كما فعلت في عدوانها عام 2006، بعد عملية الوعد الصادق.
قد يقول البعض ولكنها استطاعت اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وها هي تعيش النشوة، فما الهدف إذا من هذه الاغتيالات؟
باعتراف إسرائيلي انه بعدما كانت الاغتيالات تخدم أهدافاً سياسية واستراتيجية متنوعة، الآن أصبحت هي الهدف بحد ذاته، وبما ان إسرائيل تعيش اسوأ أزماتها فقد بحث بنيامين نتنياهو عن بعض الفخر والانتقام وإشباع رغبات الجمهور الإسرائيلي، أما على النطاق العسكري فهذه الاغتيالات لم تؤثر بالمقاومة بل زادتها صلابة.
وبات واضحا ان هدف الاغتيالات في طهران ولبنان والعدوان على اليمن، هو نقل المعركة من محدوديتها الى حرب أوسع وأشمل قد تنزلق في أي لحظة، لكي تورّط تل أبيب حلفائها في محاولة لدفع الميدان الإقليمي إلى التأزيم، الذي يفضي بدوره إلى حلحلة أو تسوية ما، تفرض فيها عبر شركائها الدوليين والإقليميين ما أمكن من مصالح، هي لزوم واقع ومرحلة ما بعد الحرب، محلياً وإقليمياً ودولياً.