بقلم : الدكتور جورج شبلي
في زمنِ قرصنةِ الوطن، بالاستقواءِ ومصادرةِ القرارِ والتسلّط، أتحفَنا ذَوو العقلِ المُرتَد، والجزءُ الأَعوجُ في نسيجِ البلاد، بشَنِّ عُنفٍ مسعورٍ على غادة أيّوب، هذه التي تكاثفَت معها الوطنيّة، فرجَحَت في الكَفّة. لقد استوقفَنا التّمادي في التّهويلِ، والهرطقاتُ التي لا يبرّرها إلّا سلوكٌ مَرَضيّ، وإسفافٌ عدوانيٌّ يثيرُ الاشمئزاز، وكأنّ حواجزَ المراقبة بين نُخاعاتِ المُهَوِّلين وبين ألسنتِهم، باتَت من دون نَفع. والأدهى أنّ ما دُبِّج من تأييدٍ، ومدحٍ، وتَقريظٍ، لخطاباتِ الشّتمِ، والتي بُحَّ أصحابُها لشدّةِ ما انتقصوا من خلقيّةِ الاحترامِ والتعقّل، في اعتِبار التعرّضِ لغادةَ أيّوب فتحاً ثميناً، لا يصحُّ في ذلك سوى نظريّةِ العَيب.
لِنُسَلِّم جَدلاً، أنّ غادة أيّوب عبَّرَت عن موقفٍ لها يتعاطى مع صراعِ الحضارات، أو الأديان، في أوقيانوسٍ موصوفٍ بالتعصّبِ العشائريّ، والتطرّفِ الإثني، والقمع، والإقصاء، منذُ ما قبل الجاهليّة، وحتى السّاعة. فاستناداً الى مبدأ الديمقراطيةِ، والى نصوص الدّساتيرِ في الدّول المتمدِّنة، وبينها ما ورد في دستور لبنان، والمتعلّقة بتقديس حريّة التّفكير والتّعبير، والحقّ في الاختلاف، نجدُ هوّةً سحيقةً تفصلُ بين المُنتَفِخين الذين يدّعون الالتزامَ بحريّة القَول والكتابة، وبين ممارساتهم الرّعناء التي تعتدي على هذه الحريّةِ، بالاعتداءِ على مَنْ يجاهرون بها.
من هنا، وانطلاقاً من سؤالٍ مركزيٍّ عن الثّوابت التي تربطُنا بالوطن، وفي طليعتها حرية الرأي والتّعبير عنه، كجزءٍ من الحقّ الإنسانيّ المُلازِم لوجودنا في الزّمن، نحن لا نلومُ المُتَعَسِّفين حاجِبي حريّةِ التّعبير، لأنّ فاقدَ الشيءِ لا يُعطيه.
إنّ التّصريحَ الممقوتَ عن أنّ غادة أيّوب تعرَّضَت للإسلام، هو مردودٌ في الأساس. إنّ مراجعةً دقيقةً لحضورِ السيّدة غادة، في منتدياتِ السياسةِ والاجتماعِ، وِقفاتٍ، وتصريحاتٍ، ومقالاتٍ، ومناظرتٍ، وبياناتٍ، وخطابات… تجعلُنا نؤكِّدُ على أنّ سلكاً أخلاقيّاً راقياً يغلّفُ قَولَها، وتَرَفاً فكريّاً ثقافيّاً يحكمُ طلاتها، وصوتاً وطنيّاً ينسحبُ على كلٍّ من مواقفها. وهذا يعني، تحديداً، خطَّها المتوازنَ المبنيَّ على مفاهيمَ وطنيّةٍ صِرف، ومقاييسَ إنسانيّةٍ بَحتَة، بعيداً عن التَطَيّف، والتعصّب، والتطرّفِ المذهبيّ، ذلك لأنّ غادة أيّوب تعتبرُ هذا الانحيازَ الطّائفيَّ فولكلوراً شعبوياً، ينمُّ عن فشلٍ في مستوى الإقناعِ بالعقل، وينتجُ عن انفصامٍ أكيدٍ عن الموقف الوطنيّ التأسيسيّ، ما يستوجبُ، إلزاميّاً، لدى جماعةِ الحناجرِ النمطيّة، استصلاحاً عقليّاً ووطنيّاً.
في غمارِ الحالةِ المأسويةِ الخطيرةِ التي تفرضُ نفسَها على البلادِ وأهلِها، ينبري المُغرِضون الى استعادةِ خطابٍ خشبيٍّ يوزّعُ اتّهاماتِ العَمالة والخيانة، وبشكلٍ حادٍ وعالي النّبرة، على غادة أيّوب، مُستَميلينَ الدُّمى المتجوِّلة المُخَدَّرة، الى شَتمٍ غريزيٍّ ليس سوى ثرثرة دراميّةٍ مغلَّفةٍ بإطارٍ عنيف. إنّ غادة أيّوب، الواضحة في ولائها للوطن، وبقَدرِ ما تعتبرُ إسرائيلَ عدوّاً شرِساً له أطماعٌ في مياهِ لبنانَ، بحراً وأنهاراً، ويعتبرُ الصيغةَ اللبنانيّةَ لُغماً في طريقِ تصفيته للقضية الفلسطينية، بِقَدرِ ما ترفضُ أن يجعلَنا الاستعمارُ الجديد، بأدواته البلديّة، بدونِ بلاد، مسحوقين يصفعُنا اليأس، وتتحوّل حياتُنا مواسمَ ألغام، يطمرُنا وَحلُ الأرض، ويكسرُ جباهَنا الذلّ…وهذه دعوةٌ، منها، الى معانقة الوطن في مصالحةٍ سرمديّةٍ، تَنضحُ عن وجدانٍ وطنيٍّ تُريدُ غادة أيّوب ألّا يزول.
أيّها المُضَلَّلون، شَرِّعوا أمخاخَكم لتلقّي أسمدةِ الفكرِ والوطنيّة، لتستيقظوا من غيبوبةِ التّصفيقِ الباصِم، إنّ تهويلَ ” أنصافِ آلهتِكم ” قد تآكلَه الصَّدأ، ولُفَّ بعدمِ اكتراثنا به، وهو تجارةٌ خاسرة في سوقِ التّعاطي مع كرامة غادة أيّوب، الحريصة على سيادة الشّعب، ووحدةِ الأرض. فأيُّ مردودٍ تنتظرونه، من تهديدِ أوصيائكم الدونكيشوتي، ومن تهريجكم الأرعن، إلّا زجّ البلاد في نكبةٍ قاتلة ؟؟؟
وبعد، إنّ غادة أيّوب الوازنةَ في انتمائها للوطن، والموثوقةَ الوفاءِ له، هي كأرز لبنان، تُختَصَرُ بوِقفةِ عِزّ…