كتب منير الربيع في “المدن”:
على ثلاثة خيوط مشدودة تسير المنطقة. خيط تصاعد وتيرة العمليات العسكرية بعد الردّ الإيراني وردّ حزب الله. خيط المسار التفاوضي التقني القائم بين الأميركيين والإيرانيين ومجموعة من الوسطاء والقوى الإقليمية لتجنّب التصعيد الكبير. وخيط المسار التفاوضي السياسي الأوسع للوصول إلى وقف الحرب على غزة، انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، وإطلاق سراح الرهائن، والتفكير باليوم التالي في القطاع وكيف ستتم إدارته.
بما يتعلّق بالخيط الأول، فإن إيران لا تزال تؤكد احتفاظها بحقّ الردّ، وقد عملت على توسيع المشروعية الدولية والإقليمية والإسلامية لهذا الردّ، خصوصاً بعد انعقاد قمة الدول الإسلامية في جدّة. بذلك تحصّن طهران موقفها للردّ على استهدافها. كذلك بالنسبة إلى حزب الله الذي يتمسك بالردّ، وسيكون قوياً وقريباً ومنفصلاً عن الردّ الإيراني وذلك بهدف إعادة تشكيل منظومة الردع حول الضاحية الجنوبية بالتحديد. وبالتالي مسألة الردود العسكرية أصبحت محسومة يبقى البحث في ما يليها.
بالانتقال إلى الخيط الثاني، فهو يرتبط بكل المساعي لخفض منسوب التصعيد بتخفيض حدّة الردّ الإيراني وردّ الحزب. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن بعض الدول أبلغت طهران رفضها لاستخدام مجالاتها الجوية لضرب إسرائيل، في مقابل، مساع دولية أخرى تحاول إقناع طهران بتنفيذ ردّ محدود يكون مشابهاً لضربة منتصف نيسان. وهذا يحوز على الكثير من التفاوض الإيراني الأميركي عبر قنوات مختلفة، وذلك لتجنب توسع أفق الصراع وتحوله إلى حرب. أما حزب الله فردّه سيكون مختلفاً وقوياً ولو أدى ذلك إلى أيام قتالية، خصوصاً أن ضربة الحزب ستفرض على الإسرائيليين عدم السكوت، وبالتالي، الانتقال إلى مرحلة الضربات المتبادلة وفق ما تشير مصادر قريبة من الحزب.
أما الخيط الثالث، فهو ذات مروحة واسعة من الاتصالات واللقاءات الدولية، غايتها منع استمرار الحرب بشكل يضع الدول كلها تحت سماء تشهد تراشقاً صاروخياً لا يقتصر على غزة وجنوب لبنان بل يشمل المنطقة ككل في حال انعدمت كل أفق الحلّ السياسي. هنا أصبح يتشكل إجماع دولي حول أن المدخل الوحيد لتجنّب الحرب الإقليمية الواسعة، أو حرب الجبهات المتعددة هو وقف إطلاق النار في غزة والإنتقال إلى مرحلة البحث عن اليوم التالي. في هذا السياق تتكثف المساعي الدولية والإقليمية، وسط قناعة أميركية بأنه لا يمكن للحرب أن تستمر ويصرّح المسؤولون الأميركيون بمختلف مناصبهم أن منع التصعيد الإقليمي يبدأ من وقف الحرب في القطاع.
قطر- تركيا
في هذا السياق، تبرز زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان. ومعروف أن الدوحة تضطلع بدور أساسي في سبيل وقف النار. كما أن أردوغان كان قد أبدى استعداده مسبقاً للتدخل في غزة. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن كل هذه الخطوات منسقة مع الإدارة الأميركية، التي تعتبر أن هناك فرصة جدية في حال الوصول إلى وقف إطلاق النار لتعزيز حظوظ فوز مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
لا يمكن فصل زيارة أمير قطر إلى تركيا عن كل التطورات المتسارعة التي تعيشها المنطقة، لا سيما أن قطر قد لعبت أدواراً متعددة بين الإيرانيين والأميركيين وفي ملفات أخرى. ذلك لا ينفصل عن تركز البحث حول اليوم التالي في غزة. وحسب المعلومات، فإن اتصالات ولقاءات حصلت مع الأميركيين حول رسم ملامح المرحلة المقبلة. وفيما كان هناك تصوّر حول أهمية وجود قوى دولية وإقليمية وعربية تكون موثوقة من قبل مختلف الأطراف، للإمساك بالوضع على الأرض في القطاع، فإن تركيا إحدى الدول التي أبدت استعدادها لذلك. وحسب المعلومات، فإن تواصلاً أميركياً تركياً حصل حول هذه النقطة.
على الرغم من أن هناك خلافاً كبيراً بين تركيا وإسرائيل وحكومة نتنياهو بالتحديد، وفي ظل استعدادها للانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، المتهمة بارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية، إلا أن ذلك يعزز وضعية تركيا ودورها، لا سيما أنها عضو في حلف الناتو وطرف مقبول من قبل الإيرانيين ومن قبل حركة حماس.
يبقى ذلك في إطار الحاجة الدولية للوصول إلى وقف لإطلاق النار، لتتجنب المنطقة تصعيداً أكبر أو حرباً إقليمية يبدو واضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر الساعين إلى تفجيرها.