جاء في “الراي”:
هل تردع السيناريوهاتُ المُرْعِبةُ لانفجار حربٍ كبرى في المنطقة والتي بدأت دول عدّة تُجْري محاكاةٍ لها على مختلف المستويات، هذا «الكابوس» الذي يخيّم فوق الشرق الأوسط، أم أن ما كُتب قد كُتب… ولو بَعد حين؟
سؤالٌ جديدٌ فَرَضَ نفسَه أمس، في ضوء مناخاتِ حَذَرِ كبير، أقرب إلى التردّد، من «محور الممانعة»، وتحديداً مثلث إيران، «حزب الله»، والحوثيين، في الانخراط في ردٍّ على الضربة «ثلاثية البُعد» التي سدّدتْها إسرائيل تباعاً لكل منهم في مدينة الحديدة اليمنية، ثم الضاحية الجنوبية لبيروت (اغتيال فؤاد شكر) فطهران (اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية).
ورغم كل المناخاتِ التي تَشي بأن الردَّ «بالمفرّق» أو المتزامن، أو المركّب، على إسرائيل بات مسألة وقت قصير، والاستعدادات «فوق الأرض وتحتها» في الجبهات المعنية بالتوازي مع استنفارٍ دولي تَحَسُّباً لبدء الضربة التي ستكون بمثابة «إعلان الحرب» – رغم طابعها «الدفاعي عن النفس» بحسب محور الممانعة – فإنّ الكواليسَ تزخر بحال تَهَيُّبٍ حقيقيةٍ للمرحلة ولأي سوء تقديرٍ لِما سيكون، وسط تقويمٍ دقيقٍ مستمرّ للّحظة واحتسابٍ يُراد أن يكون «على الورقة والقلم» لتداعياتِ حصول الردّ بالتوقيت الذي يحاول بنيامين نتنياهو استعجالَه انطلاقاً من الهدف الأساسي لاستخدام أنيابه و«مخاشَنة» المحور في عقر داره وساحاته الأقوى بما فيها «العاصمة الأمّ» أي طهران.
ومن خلْف تصريحات المنابر والنبرة العالية لأطراف المحور الإيراني عن الردّ الحتمي الآتي «والمؤثّر والقوي»، فإنّ ثمة أجواء تَشي بأنّ حتى الضربة، أو موجات الردّ، التي لن تكون إلا جِراحيةً ومحدّدةً ومحدودةَ الأثَر على مستوى وقوع «أضرار جانبية» (من المدنيين)، يسود تريُّث بإزائها لزوم أمرين:
– الأول، عدم مجاراة نتنياهو في السرعة التي يريدها لإنهاء فترة الانتظار الثقيل والمُكْلف على أكثر من مستوى نفسي وأمني وعسكري التي تسود إسرائيل.
– والثاني، وضْع «اكس» يتم اختيارُه بـ «ميزان الجوهرجي» على هدفٍ «يحقّق الهدف» بلا زيادة أو نقصان مع قياس ارتداداتِ ضربه بعناية فائقة بما يعيد للمحور الردعَ ويردّ الاعتبار، وفي الوقت نفسه يحرم رئيس الوزراء الإسرائيلي من جرّ إيران و«حزب الله» خصوصاً إلى «خط نارٍ» رسمه هو ويقف معه عليه أيضاً الأميركيون، وهو ما يضع تالياً كل قوس النفوذ الإيراني في مرمى «السهم الحارق».
وقالت مصادر في «محور المقاومة»، إن «حزب الله» كـ «وليّ للدم» (اغتيال شكر في الضاحية) والمعنيّ بأثمان الردّ المحتمَل على ردّه الحتمي غير مستعجِل على تسديد ضربة لإسرائيل ستحصل بالتأكيد، خصوصاً إذا قادتْه الموفّقية إلى هدف ينتظره.
وأشارت إلى أن الحزب غير معني، كما إيران، في ردٍّ سريعٍ على عدوان إسرائيل على الضاحية الجنوبية أو طهران، ويميل إلى عدم إراحتها ما دام انتظارُها الضربة «جزءا من العقاب» ويشكل استنفارُها استنزافاً متعدّد الوجه لقدراتها.
ولفتت المصادر إلى أن الحربَ الكبرى «آتية لا محال»، ولكن مسارعةَ «حزب الله» الآن إلى استخدام صواريخ دقيقة بعيدة المدى في ردّه المنتظر يُفْقِدُه هذه الورقة الرادعة (أي التلويح بهذه الصواريخ من دون استخدامها) ويعجّل في احتمال الذهاب إلى حربٍ شاملة لا يتحكّم بزمانها وجغرافيتها.
وإذ لمحتْ المصادر إلى أن إيران على اقتناعٍ بمقاربة «حزب الله»، الأكثر خبرة في الصراع مع إسرائيل، كشفتْ أن التمهّلَ في الردِّ على الضربات الإسرائيلية لساحاتِ المحور يعود في جانب منه إلى وجود حلف «الناتو» وترسانته في حال استنفار في المنطقة.
ورغم عدم إسقاط بعض الدوائر فَرَضية، أن تكون حتى مناخاتِ الانتظار في إطار الحرب النفسية واستعادة «عامل المباغتة» في الردّ، فإن ثمة مَن اعتبر أن هذه الأجواء تعكس في بُعْدٍ آخَر نجاح نتنياهو في فرْض حالةٍ كَسَر معها المحرّمات وتشي بأنه مستعدّ للذهاب حتى النهاية ومهما كلف الأمر في حربٍ يعتبرها مصيرية ولم يعد يتردد في خوضها على عدة جبهات وعلى قاعدة «عليّ وعلى أعدائي».
صراع إقليمي
ولم يكن عابراً كلام نتنياهو أمس، عن «أن اتّساع رقعة الحرب في غزة لتتحوّل إلى صراع إقليمي مخاطرة أدركها لكنني مستعد لخوضها»، وتأكيده «لا نواجه حماس فحسب بل محوراً إيرانياً متكاملاً وعلينا تنظيم أنفسنا للدفاع على نطاق أوسع»، وتحذيره «حزب الله» بأن عليه «أنّ يُفكّر في عواقب مهاجمة إسرائيل وبدء حرب أوسع معها».
في موازاة ذلك، كانت التقديرات على أشدّها لطبيعة ردّ المحور وهل يكون «أخطبوطياً» أي متعدد الذراع، أو منفرداً أو متسلسلاً، كما للأهداف المحتملة.
وفي حين كانت وسائل إعلام إسرائيلية، تعتبر أن حيفا قد تكون الهدف لـ «حزب الله» كونها ثالث أكبر مدينة، ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة أو أكثر، وفيها تركيز لمنشآت إستراتيجية بما في ذلك المرافئ والمصافي ومعسكرات الجيش ومصانع أمنية ومحطات طاقة، والمَرافق يتمّ فيها تخزين كميات كبيرة من المواد الخطرة، الى جانب أنّها ليست مستعدّة للحرب، لفتت إلى أنه خلال هذا الأسبوع تمّ إفراغ حاويات المواد الخطرة في خليج حيفا.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ان الجيش «يستعد لإقامة مدينة خيام بصحراء النقب لاستيعاب نازحين في حال وقعت حرب كبيرة».
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، عن مصدريْن «مطلعيْن» أن «حزب الله يبدو أنه سيهاجم إسرائيل بشكل مستقل عن إيران».
وأفاد مصدر بأن «حزب الله يتحرك بشكل أسرع من إيران في تخطيطه، ويتطلع إلى مهاجمة إسرائيل في الأيام المقبلة»، فيما قال المصدر الثاني إن الحزب «ربما يتصرف من دون سابق إنذار، وهو ما لا ينطبق على إيران نظراً لقرب لبنان من إسرائيل كجارٍ مباشر إلى الشمال».
وفي الإطار نفسه، نقل موقع «اكسيوس» عن مسؤوليْن اسرائيليين أن ردّ الحزب «قد يشمل استهداف مقر الجيش وسط تل أبيب، ومقر الموساد وقواعد استخباراتية»، موضحيْن أن القواعد التي قد يشملها الرد تقع قرب أحياء مدنية.
وفي حين قال المسؤولان إن «ردنا على أي هجوم محتمل على المدنيين سيكون غير متكافئ»، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن «التقييم الأمني يفيد أن حزب الله هو مَن سيبدأ الهجوم».
وفي هذا الوقت، برزت دعوة مصر، شركات الطيران التابعة لها (أول من أمس) إلى تجنب المجال الجوي لإيران لثلاث ساعات يوم أمس، وبريطانيا لشركاتها بتفادي المجال الجوي للبنان، بالتوازي مع إعلان شركتيْ «إير فرانس» و«ترانسافيا» للطيران، تمديد تعليق الرحلات الجوية إلى بيروت حتى يوم الأحد ضمناً.
وعلى وقع تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي «بأننا سنكون قادرين على شن هجمة سريعة للغاية، على كل مكان في لبنان، وفي غزة، وعلى كل مكان في الشرق الأوسط، فوق الأرض، وتحت الأرض»، برز تنفيذ الطيران الحربي الاسرائيلي فجر أمس عدواناً جوياً حيث شن غارة عنيفة على بلدة الدوير مستهدفاً إياها للمرة الأولى ومدمراً منزلاً غير مأهول.