كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
كان واضحا في الذكرى الرابعة على تفجير مرفأ بيروت أن الكلام عن التحقيقات في الملف سيتجاوز السقف المعتمد منذ تجميده قبل 20 شهرا. يستند هذا الإستنتاج الى ما تناقلته وسائل إعلام عن ان قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار سيستأنف التحقيقات والقرار الظني سيصدر نهاية 2024 وفق مصادر مقربة من المحقق العدلي. وتذهب المصادر إلى أبعد من ذلك، إذ تقول إن الحديث في الـ2025 لن يكون محوره التحقيق في الملف لأن الحقيقة ستكون ظهرت والقاضي البيطار وصل إليها كاملة.
لكن يعلم البيطار كما أهالي الضحايا الـ 236 أن أيا من هذه الخطوات القانونية لن تتحقق والحقيقة ستبقى مطمورة تحت أنقاض الإهراءات في حال لم يتخذ مدعي عام التمييز جمال الحجار قرارا بإزالة المعوقات التي زرعها السلف القاضي غسان عويدات وكانت وراء تجميد التحقيقات 30 شهرا. وعليه كان لا بد من وضع استراتيجية جديدة خصوصا أن الحجار أعلن أنه مستعد للإنسحاب في حال وجد نفسه ملزما في اتخاذ الخطوات التي ستحرجه فتخرجه.
إحراج الحجار يعود إلى كون ثلاثة هم من مسقط رأسه شحيم، وهم النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، والعميد السابق في مخابرات الجيش اللبناني جودت عويدات والمسؤول في الجمارك هاني الحاج شحادة. إزاء هذا الواقع، وفق مصادر “المركزية”، فإن البيطار لن يترك الملف مجمدا بحجة الإحراج وبالتالي مقيدا وفي رقبته مسؤولية كشف حقيقة مقتل 236 ضحية في تفجير المرفأ. كذلك لن يتراجع عن الإدعاء على قادة عسكريين ووزراء وقضاة لتفادي إحراج الحجار.
أيضا، يدرك البيطار المعروف بصلابة مواقفه أن المعوقات والأسباب التي حالت دون مثول هؤلاء أمامه لا تزال قائمة حتى ان موقف النيابة العامة التمييزية، التي ترفض التعاون معه لا يزال على حاله بعدما رفض الحجار المس به، تفاديا للإحراج واقترح على البيطار فصل ملف استدعاء المسؤولين الأمنيين والوزراء والقضاء للتحقيق معهم عن باقي الإستدعاءات وبالتالي إخراجهم من الملف لفتح ثغرة أمام استكمال التحقيقات في الملف . إلا أن البيطار رفض الطلب جملة وتفصيلا.
وعليه، قرر البيطار اعتماد استراتيجية جديدة تُجنِّب الحجار الإحراج وتقوم على إرسال مذكرات التبليغ المدعى عليهم بواسطة المساعدين القضائيين (المباشرين)، على أن يبدأ تنفيذها في الأيام القليلة المقبلة. وتشير مصادر “المركزية” إلى أن مسار الإلتفاف على التحقيقات قانوني بامتياز، إذ يبدو أن البيطار أدرك ان الحجار لن يتراجع عن الحلول التي طرحها وإذا ما وجد نفسه ملزما في إلغاء القرارات التي أصدرها إبن بلدته وسلفه القاضي عويدات فهو مستعد للتنحي عن الملف. ومعلوم أن الضابطة العدلية التي يفترض ان تتولى مهام الإستدعاءات تابعة لمدعي عام التمييز في حين تتمتع دائرة المباشرين المولجة التبليغ بالقضايا المدنية بالإستقلالية ولا تتبع النيابة العامة التمييزية او سواها.
والسؤال البديهي الذي يُطرح: طالما ان هناك استراتيجية قانونية من شأنها تجنيب القاضي الحجار الإحراج واستكمال التحقيقات في ملف تفجير المرفأ، فلماذا انتظر البيطار20 شهرا للإعلان عنها والسير بها؟
“ربما تأمل البيطار ان يبطل الحجار قرار سلفه عويدات الصادر في 26 كانون الثاني 2023 والذي تضمن طلباً إلى “رئيس وموظفي قلم النيابة العامة التمييزية وأمانة سر النائب العام لدى محكمة التمييز عدم استلام أي قرار أو تكليف او تبليغ او استنابة أو كتاب أو إحالة أو مذكرة أو مراسلة أو أي مستند من أي نوع صادر عن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار”. ويضيف: “في حال ورد القرار مباشرة من قبل البيطار أو بواسطة أي مرجع اخر، كونه مكفوف اليد في هذه القضية وغير ذي صفة، يجب إعلام قسم المباحث الجنائية المركزية بذلك وتنظيم محضر بذلك وفقاً للأصول ومخابرتنا لإجراء المقتضى القانوني”. وقد أرسل القاضي عويدات نسخة من الإدعاء الصادر بحق القاضي طارق البيطار إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي.
قد يكون البيطار تأمّل كثيرا. لكنه يعلم أيضا أن الحجار محرج وعليه، ترجح المصادر اعتماده الإستراتيجية الجديدة التي تقضي تبليغ المدعى عليهم بواسطة دائرة المباشرين. وفي حال عدم مثولهم، وهذا ما هو مرجّح، يصدر البيطار بحقهم مذكرات توقيف غيابية “إلا ان مصيرها لن يختلف عن تلك التي صدرت بحق الوزير السابق والنائب علي حسن خليل بحيث لا يزال يسرح ويمرح ويسافر ساعة يشاء من دون مساءلة او محاسبة وما حدا بيسترجي يقرِّب صوبو”.
الخطوة القانونية التالية المفترضة، وفق المصادر، أن يرسل البيطار الملف إلى النيابة العامة للمطالعة لإبداء الرأي سلبا أو إيجابا ورده لاحقا إلى البيطار “وهنا سيقع الحجار من جديد في دائرة الإحراج لأنه ملزم في إبداء الرأي. وفي حال وجد نفسه أمام طريق مقفل يعمد إلى وضع الملف في الأدراج. لكن إذا طالت مدة “التنويم القسري” وتجاوزت المهلة الـ4 أو 5 أشهر سيجد البيطار نفسه أمام الخيار القانوني الأكثر مرارة. إصدار القرار الظني وإرساله إلى المجلس العدلي بعد تبريره بانقضاء مهلة مطالعة النيابة العامة التمييزية وإبداء الرأي فيه. آنذاك إذا أراد المجلس إبطاله فليبطله لكن على الأقل يكون البيطار قام بما يمليه عليه ضميره وواجبه القضائي.