كتب طوني جبران في “المركزية”:
قبل ايام قليلة على اللقاء الذي دعت إليه يوم الخميس المقبل في العاصمة القطرية الدوحة، تحولت “المبادرة الثلاثية” الجديدة التي اطلقتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر الى قاطرة دولية واقليمية كبيرة استدرجت مواقف داعمة متلاحقة من القوى الدولية من دون اي شروط مسبقة، تاركة مثل هذه الملاحظات والشروط الدقيقة لإسرائيل بشكل واضح لا يرقى اليه أي شك.
وتزامنا مع التأييد الواسع الذي نالته المبادرة من الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية والخليجية ولبنان، تلاحقت الاتصالات على اعلى المستويات والتي شارك فيها الرئيسان الاميركي والفرنسي مع الحكومة الاسرائيلية وحماس وقادة العالم العربي من أجل تهيئة الظروف المؤاتية لإنجاح اللقاء الذي سيحاول تدوير آخر الزوايا وتقليص الفجوات التي ما زالت عالقة نتيجة مسلسل المبادرات السابقة، وخصوصا تلك التي تلت اطلاق مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن والتي تبناها مجلس الأمن الدولي بقرار له في العاشر من حزيران الماضي.
وان لم تعلن موسكو عن تأييدها للمبادرة فقد لاحظت مصادر ديبلوماسية غربية وعربية انها قادت تحركا غير مسبوق بعد فترة من الصمت تلت اغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وسجلت اكثر من موقف متوازن بين طرفي الصراع. وقالت إن وفي خطوة روسية لافتة تجلت بالرسالة العاجلة التي نقلها سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق سيرغي شويغو الى القيادة الإيرانية قبل أيام، داعيا الى رد يتحاشى أذية المدنيين لمنع التوسع وخفض التصعيد، فقد دعت وزارة الخارجية الروسية أمس إسرائيل، إلى “الامتناع عن شن هجمات على الأهداف المدنية في قطاع غزة”.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “أن موسكو تشعر بصدمة شديدة بسبب الغارة الجوية الإسرائيلية على مدرسة التابعين في غزة”. وشددت على أن “مثل هذه المآسي تقوض الجهود الدولية الرامية إلى تهدئة الوضع في منطقة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووقف عاجل لإطلاق النار وتبادل الأسرى”.وتابعت: “نلاحظ مع الأسف أن مثل هذه الهجمات في قطاع غزة، والتي يكون ضحاياها من المدنيين، تتسم بالطابع المنهجي، وندعو الجانب الإسرائيلي إلى الامتناع عن شن هجمات على أهداف مدنية، ونحن نعتقد أنه لا يوجد ولا يمكن أن يكون لها عذر”.
وقبل ايام قليلة على اللقاء وفي ظل اجواء الترقب للمواقف المحتملة مما هو مطروح من أفكار لتعديل بعض الخطوات السابقة، وفي موازاة ما نقلته قناة “كان” الاسرائيلية ان باريس طلبت من إيران عدم مهاجمة إسرائيل خلال أيام المنافسة في الألعاب الأولمبية الدائرة على اراضيها، نقلت زميلتها “القناة 12” في وقت متأخر من مساء امس السبت عن السفير الأميركي في إسرائيل قوله إنّ “واشنطن بعثت رسائل إلى جميع الأطراف بشأن ضرورة منع التصعيد في المنطقة”.. مضيفا “إنّ الأيام المقبلة حاسمة لمنع انزلاق المنطقة إلى صراع لا مصلحة لأحد فيه”، مضيفاً: “ملتزمون بحماية إسرائيل، ونقلنا إليها العديد من الوسائل ونأمل ألّا نضطرّ لاستخدامها”.
وفي موازاة ما هو معلن من مواقف، كشفت مصادر ديبلوماسية تتابع التحضيرات الجارية للقاء الخامس عشر من آب الجاري والذي سيعقد على الارجح في الدوحة لـ “المركزية” انه بات واضحا ان إسرائيل وحماس ستشاركان في اللقاء. وفي الوقت الذي تشارك فيه قطر على اعلى المستويات وتحديدا برئيس حكومتها وزير الخارجية متقدما وفدا ديبلوماسيا ومخابراتيا، سيتمثل الجانب الأميركي بمدير المخابرات المركزية الـ “سي آي آي” وليم بيرنز الذي سيقود الوفد الأميركي وسيمثل اسرائيل رئيس جهاز المخابرات بارنيا . كما تتمثل حماس بنائب رئيس الحركة في الداخل الدكتور خليل الحية في أول مهمة له على هذا المستوى خلفا للرئيس السابق للمكتب السياسي اسماعيل هنية بعدما بات رئيس الحركة في الداخل يحيى السنوار خلفا له بعد اغتياله. كما يتمثل الجانب المصري بوفد مخابراتي ودبلوماسي من وزارة الخارجية يتقدمهم مدير المخابرات المصرية عباس كامل إن لم يحضر وزير الخارجية الجديد بدر احمد عبد المعطي.
وفي ظل التحضيرات الجارية من أجل المؤتمر وجوجلة المواقف النهائية مما هو مطروح على وقع المجزرة التي نفذتها اسرائيل مستهدفة “مدرسة التابعين” التي تأوي مئات نازحين مع صلاة الفجر في غزة، قالت “هيئة البث الإسرائيلية» ان الاجتماع المرتقب الخميس المقبل هو “اجتماع الفرصة الأخيرة وأن البيت الأبيض حدد موعد الجولة المقبلة على أمل إبداء الجانبين مرونة كبيرة”.
و بمعزل عن جميع هذه الملاحظات والمؤشرات بما توحي به من تناقضات، ثمة من يعتقد ان بعضا مما تقوم به اسرائيل ينبئ بعدم وجود اي نية لدى رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بتسهيل الأجواء المؤدية الى اجتماع ناجح يوم الخميس المقبل على الرغم من التحذير الذي أطلقه مسؤول اسرائيلي كبير “من أن بعض الأسرى الذين لا يزالون محتجزين داخل قطاع غزة يعانون حالات خطيرة، وقد لا يبقون على قيد الحياة لفترة طويلة”.
إضافة الى ذلك، فان المعلومات ما زالت تشير الى وجود مطالب اسرائيلية من المستحيل تحقيقها. ومنها تلك التي تشترط بتسلم لائحة اسمية بالاسرى لدى حماس ونظيراتها من الفصائل الفلسطينية في غزة وعددهم وتصنيفهم بين احياء واموات. كما بالنسبة الى المطالبة باستمرار السيطرة العسكرية على محور فيلادلفيا ورفض اي حضور لحماس على معبر رفح الذي سيتحول معبرا وحيدا الى القطاع وزيادة عدد الاسرى المطلوب ان تفرج عنهم حماس في المرحلتين الاولى والثانية. كما اضيف شرط جديد يتصل بطلب نتنياهو طرد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم في إطار الصفقة إلى خارج قطاع غزة.
وختاما، وبعد الأخذ بعين الإعتبار جميع المؤشرات السلبية والايجابية، يبقى الرهان على قدرة واشنطن ومعها القاهرة والدوحة على اقناع من يمثلون من طرفي الصراع لدفعهم الى التوصل الى الاتفاق. يبقى هناك من يقول إن مغزى تحديد الخامس عشر من آب الجاري موعدا لعقد الاجتماع، شكل مهلة اخيرة امام ايران واذرعها في المنطقة لتقوم بما تريده من رد على عمليتي اغتيال شكر وهنية قبل هذا الموعد وإلا ستكون قد أذعنت للتحذيرات الاميركية التي أكدت انها لن تسمح ان يلحق اي ضرر من الضربات المقترحة على أمن المنطقة برمتها.وفي ذلك دافع لتتجه الانظار ان كانت هذه التسريبات صحيحة الى الثمن الذي طلبته ايران لامرار المرحلة الفاصلة عن اللقاء من دون هذه الضربة لا منها ولا من اي من اذرعها في المنطقة بما فيها حزب الله في لبنان منعا لاعطاء نتنياهو ومن يستقوي به من المتشددين سببا لتوسيع الحرب واستدراج الجميع اليها في اي لحظة.