IMLebanon

نتنياهو يطمح لتغيير صورة المنطقة

كتب منير الربيع في “المدن”:

ليست المجزرة الجديدة التي ارتكبها جيش الإحتلال الإسرائيلي في مدرسة التابعين إلا دليلاً جديداً على تمسك بنيامين نتنياهو بخيار التصعيد ومواصلة العمليات الحربية وقطع الطريق أمام كل محاولات الوصول إلى صفقة أو وقف إطلاق النار. تشكّلت في السابق قناعة عن إقدام الإسرائيليين على تصعيد عملياتهم العسكرية وتكثيف المجازر مع اقتراب الوصول إلى أي وقف لإطلاق النار، لكن هذه القاعدة لم تصّح منذ بداية الحرب على غزة، فكل مجزرة تكون غايتها الإستفزاز لتوسيع نطاق المواجهات، وتحقيق أهداف استراتيجية وهي ضرب كل مقومات الحياة في قطاع غزة.

استهداف المفاوضات
تأتي المجزرة بعد ساعات على تأكيد البيت الأبيض إصرار الولايات المتحدة على إنجاز الصفقة والرهان على اجتماع يوم 15 آب، وعملياً فإن استهداف المدرسة هو استهداف لتلك المفاوضات من قبل نتنياهو. وهو تحدّ لكل القوى العربية والإقليمية والدولية، ورفض واضح لأي تفاوض. علماً أن أحد أهداف المساعي التفاوضية كان يتركز على امتصاص الردّ الإيراني وردّ حزب الله، وسط التداول بقراءتين. الأولى تأجيل الردّ إلى ما بعد جلسة التفاوض والإستمرار بتأجيله في حال كانت هناك بوادر إيجابية لوقف النار. والثانية هي أن يكون الردّ قبل موعد 15 آب، فيأتي الإجتماع للجم التصعيد وإستمرار المفاوضات. ولكن مع السلوك الذي ينتهجه نتنياهو تُضرب كل القراءات والسيناريوهات.

من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مصمم على مواصلة العمليات العسكرية وتوسيعها ولو شملت جبهات أخرى، وهو يقدم على استفزاز الجميع، مستغلاً كل الدعم الذي ناله من الأميركيين ديمقراطيين وجمهوريين، ويتصرّف بأنه غير آبه بكل الضغوط الأميركية من قبل إدارة جو بايدن، بينما هناك من يقرأ في ممارساته بأنه يسعى إلى تحقيق ما يريده عسكرياً قبل موعد “انتخاب” دونالد ترامب الذي يريد إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وفق قراءات إسرائيلية وأميركية.

ما يريد قوله نتنياهو من خلال المجازر التي يرتكبها في غزة، ومواصلة عمليات الإغتيال في إيران أو لبنان، بالإضافة إلى الإستمرار في التصعيد على الجبهة اللبنانية، هو أن إسرائيل لا تزال الدولة المتفوقة في المنطقة وصاحبة اليد العليا، وهو يسعى إلى تحفيز الأميركيين على الإنخراط أكثر في هذه الحرب على قاعدة ما كان قد أعلنه في الكونغرس بأن إسرائيل تقاتل عن الغرب ودفاعاً عن واشنطن في مواجهة إيران. يسير نتنياهو على طريق استدراج الأميركيين إلى القتال المباشر في وجه إيران، وهو الذي يؤرقه البرنامج النووي الإيراني، ولذلك يسعى إلى القول للأميركيين بأنه بعد كل الضربات التي وجهها لإيران تبدو طهران عاجزة عن الردّ وعن إستعادة توزان الردع، وبذلك يهدف إلى تحفيز واشنطن والغرب على الإنخراط في عملية ضد طهران وحلفائها لضبطهم وتطويقهم وإضعافهم في المنطقة.

صورة جديدة للمنطقة
ما يريده نتنياهو هو رسم صورة جديدة للمنطقة بناء على العوامل العسكرية واتساع رقعة الحرب. وما يهدف إليه بشكل مباشر هو القضاء على القضية الفلسطينية وإلغاء أي مفاعيل لـ”حلّ الدولتين” وهو بذلك يضرب كل السرديات العربية والدولية. في هذا المجال ثمة محطات لا يمكن إغفالها، بدءاً من اغتيال إسحاق رابين، وذلك للإنقلاب على أوسلو والإنقضاض على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبعدها اغتيال ياسر عرفات أيضاً للمضي قدماً في الإنقلاب على أوسلو ومقومات الدولة الفلسطينية، وصولاً إلى اغتيال اسماعيل هنية في قلب طهران، فضرب أي مسار تفاوضي أو سياسي على وقع الحرب في غزة، واستفزاز إيران ومحورها للدخول في حرب أو مواجهة تنطلق مع تنفيذ الردّ، أما في حال عدم تنفيذ ردّ متوازن فيكون نتنياهو قد قال للجميع إن يده تطال حيث تشاء ولا أحد قادر على إقامة توازن عسكري أو أمني معه، ما يعني أنه سيمضي بمشروعه نحو تهجير غزة، وتهويدها ربما والتفرغ بعدها لتهجير المزيد من الفلسطينيين من الضفة الغربية والإنطلاق نحو التهويد الفعلي للقدس.

إنها حرب يريد نتنياهو أن يصورها بين الشرق الغرب، في ظروف دقيقة جداً، تزامنت مع زيارة روسية إلى إيران ووعد بتقديم دفاعات جوية، في مقابل تسريبات عن أن إيران ستزود روسيا بصواريخ بالستية دقيقة. يتزامن ذلك مع تقدّم أوكراني ضد روسيا ودخول إلى الأراضي الروسية والسيطرة على مساحات منها، يقدّم ذلك صورة فيها إحراج أكبر لروسيا عبر أوكرنيا، ولإيران من خلال العمليات التي نفذها الإسرائيليون. هذه التطورات لها انعكاسها على الساحة السورية أيضاً، وسط إصرار روسي على تحييد سوريا عن مجالات الصراع، الأمر الذي لا يروق لإيران، في مقابل اشتباكات تخوضها فصائل عربية متحالفة مع النظام ضد الأكراد، وهي معارك غايتها السيطرة على حقول النفط، وبعدما سيطر القبائل العربية على حقل العمر، لأيام، نجحت أميركا في استعادة السيطرة عليه. مثل هذه المعارك التكتيكية حيناً والإستراتيجية أحياناً على الساحة السورية، يقابلها مزيد من المحاولات لتسجيل إختراقات في صفوف وبنية النظام السوري إما من خلال تفاوض مع الأميركيين، او من خلال تقارب مع بعض الدول العربية، وهو ما يُراد تصويره بأنه محاولة أيضاً لتطويق إيران ونفوذها في سوريا.

حتى لو…حرب إقليمية
على كل هذه الإيقاعات والتناقضات والتداخلات، تسير وقائع الحرب على غزة وتستمر، وسط إصرار من نتنياهو على توسيعها وهذا لم يعد فيه أي لبس، ولا بد من انتظار مسارات الأمور وإذا كان سينجح في ذلك. والأكيد أنه يستفيد من كل التحشيد العسكري الأميركي الضخم، خصوصاً أن الحضور الأميركي في المنطقة عسكرياً، وتكنولوجياً، هو الذي يتيح لإسرائيل تحقيق دقة بالأهداف والقدرة المتقدمة على الرصد بناء على نظام متطور جداً لا أحد يمتلكه إلا الأميركيون، وبالتالي وجود القوات الأميركية يقدّم الكثير من الإفادة للإسرائيليين هجومياً حتى وإن كانت أميركا تضعه في خانة الدفاع والردع، وبما أن اميركا أعلنت مسبقاً كامل الإلتزام بأمن إسرائيل فهذا ما سيستغله نتنياهو لمواصلة الحرب وتوسيعها وإن اقتضى ذلك إشعال حرب إقليمية.