IMLebanon

إصبع “الحزب” بات على الزناد وقرار الحرب بيد نتنياهو

جاء في “الراي الكويتية”:

بدا لبنان والمنطقة في الساعات الأخيرة معلَّقيْن «على حبالِ» خميس محادثات وقف النار في غزة، باعتبارِ أن هذه المحطة إما تَسْحبُ فتيلَ تَدَحْرُجِ حرب الضرباتِ المتبادلة بين إيران و«حزب الله» وبين إسرائيل، وإما تفتح شهيةَ بنيامين نتنياهو أكثر على «استثمارِ» الحضور العسكري الوازن للولايات المتحدة خصوصاً في المتوسط تحت عنوان «الدفاع المشترك» للدفْع نحو أيامٍ من تصعيدٍ يؤدي إلى تهدئةٍ تَشمل بالتوازي غزة وجنوب لبنان وفق أُطُرٍ لـ «اليوم التالي» باتت عناوينُها العريضة محدَّدة، وربما يستفيد رئيس الوزراء الإسرائيلي من فرْضِ «تَزامُن الحلّ» للترخية على جبهةٍ والتشدّد على أخرى.

وجاءت «مجزرة الفجر» التي ارتكبتها إسرائيلي بحق النازحين في «مدرسة التابعين» وسط مدينة غزة لتترك تشظياتٍ متعددة الاتجاه، كان أخطرها تبديدٌ أوّلي لتقديرٍ ساد بأنّ البيانَ الأميركي – المصري – القطري الذي دعا إسرائيل و«حماس» لاستئناف المحادثات في 15 الجاري، يمكن أن يعزّز أكثر الاتجاهَ لردٍّ «مُنْضَبطٍ» من «حزب الله» وإيران، على اغتيال القائد الكبير في الحزب فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية واسماعيل هنية في طهران، بما يفتح الطريق تالياً على إما إدارة نتنياهو «خدّه» للضربة الانتقامية المتزامنة، أو الضربتين المنفصلتين، وإما قيامه بردٍّ مضاد ولكن «شكليّ» فيُترك لمسار هدنة غزة أن ينطلق ويبرّد «برميل البارود» بالمنطقة.

وتمّ التعاطي مع مجزرة أمس على أنها تعبيرٌ عن رغبةِ نتنياهو بتسديدِ المزيد من الطعنات لعملية التفاوض، التي شَطَبَ رأسها، من جانب «حماس»، بالاغتيال، ثم نفّذ في السبت الدموي واحدةً من أفظع الجرائم بحقّ مَن يشكلون الهدف الرئيسي والإنساني لوقف النار، أي أهل غزة المتروكون لـ «محرقة» مروّعة، وعن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد لا يتورّع عن استخدام الردّ الحتمي من إيران و«حزب الله»، أياً كانت «جرعته»، للمضيّ بشحْذ «السكاكين» على جبهات عدة في محاولةٍ لفرْض شروطه بالكامل في القطاع وفي جنوب لبنان حيث لن يسلّم بنهايةٍ للحرب على قاعدة العودة لستاتيكو ما قبل 7 أكتوبر.

«الإبادة الجماعية»
وإذ كان مراقبون يعبّرون عن خشيةٍ من أن يكون نتنياهو بـ «الإبادة الجماعية» التي أكمل فصولها أمس، يرتدّ بالنار على «اشتباهٍ» بأن واشنطن ربما تكون تفاهمتْ ضمناً مع طهران على إحياء مفاوضات الهدنة وضمان إنجاحها مقابل حضّ إيران و«حزب الله» على ردّ مدروس لا يستجرّ «الثور الهائج» في إسرائيل، فإن الحزب أعطى إشارة بالغة الدلالات في بيان إدانة المجزرة التي تؤكد «ان الخيار الحقيقي لحكومة العدو هو القتل، وأن الحديث ‏عن وقف النار وتحديد مواعيد ‏جديدة للمفاوضات ليس إلا كذباً وخداعاً لن ‏تنطلي على الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة ‏وجبهات الإسناد التي تزداد اقتناعاً ‏بعزمها على المقاومة والعمل بكل قوة لوقف المذبحة ومنْع العدو ‏من تحقيق أهدافه».

وفي ربْطٍ لهذا الموقف بتأكيد إيران أمس أن التوصلَ إلى وقف نار في الحرب الدائرة في غزة هو «أولويةٌ» لطهران، مشددة في الوقت ذاته على «حقها المشروع بالدفاع عن النفس» والردّ على اغتيال هنية «وهذا أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف النار في غزة»، يكون تراجَع التفاؤل الحذر أساساً بأن الضغوط الإقليمية والدولية نجحت في شقّ «ممر آمِن» خروجاً من ورطةٍ بات الجميع فيها، وإن كان نتنياهو يَدْفع لتعميقها بسلوكٍ لا يمانع الذهاب حتى النهاية «ومهما كان الثمن» لتحقيق أهدافٍ لا تتكئ فقط على مصيره السياسي الذي صار على المحكّ بل أيضاً على سردية الخطر الوجودي الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه يوم غرقت في «طوفان الأقصى».

وفيما كان العالم يرصد مجزرة «مدرسة التابعين» في بُعديها الإجرامي والانساني كما تداعيتها السياسية وربما العسكرية، فإن لبنان تابَعَها بعيْنٍ دامعةٍ على غزة وأيضاً على مصيرٍ يراه «بأمّ العين» يقترب منه في ضوء عدم بروز إشاراتٍ كافيةٍ إلى أن ردّ «حزب الله» على اغتيال شكر لن يفتح البابَ على مرحلةٍ من الأعاصير المتوالية بقرارٍ من نتنياهو لوضْع الجميع أمامِ أمرٍ واقعٍ واللعب على حافة الصِدام المريع بهدف ترجمة نسخته لمسارِ الحل في جنوب لبنان (وغزة) وحتى تقليم أظافر إيران، مستفيداً من إدراكه أن الأخيرة لا تريد التورط في حربٍ شاملةٍ وكذلك الولايات المتحدة التي تَلْمس أبعادَ ترْك موسكو «بَصماتٍ» على دعمها العسكري للمحور الإيراني وحصولها على صواريخ «فاتح 360» من طهران لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا.

ولم تغادر بيروت حالَ الترقب الثقيل لردِّ «حزب الله»، مع تقديراتٍ تَشي بأن الحزب صار في وضعيةِ «الإصبع على الزناد» لتسديد ضربةٍ لهدفٍ ما في إسرائيل جرى اختيارُه بعنايةٍ على النحو الذي يجعله يَفي بـ«وعده الصادق» في الردّ على اغتيال شكر في الضاحية ولكن ربما في حَجْمٍ لن يؤدي بالضرورة إلى استدراج نتنياهو إلى ردّ لإشعال حرب الضربات المتبادَلة.

وبهذا المعنى، فإن الخطوة التالية تبقى بالكامل في يد نتنياهو الذي أساء المحور الإيراني قراءته عندما أفْرط في إحراجه من مختلف الجبهات، والذي ربما يقع في الفخّ عيْنه ولا يُحْسِن تقدير معاني الضربتين في طهران والضاحية والردّ الذي قد يقوم به على الردّ بحال كان أشدّ، ما قد يضع المنطقة برمّتها في مأزق يُخشى أن لا يكون فكاك منه إلا بانفجار كبير.

تهيّب رسمي
وكان واضحاً في الساعات الماضية حجم تَهَيُّب لبنان الرسمي الموقف والاحتمالات الخطيرة، وهو ما عبّرت عنه مسارعتُه لتلقُّف المبادرة الثلاثية التي دعت لاستئناف مفاوضات الهدنة في غزة، معتبراً أنها «تجسد رؤية لبنان لخفض التصعيد في المنطقة ونزع فتيل اشتعال حرب إقليمية شاملة»، قبل أن تعمّم وزارة الخارجية على كل البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج ورقة الحكومة المتضمّنة «القواعد الهادفة إلى تحقيق الاستقرار على المدى الطويل في جنوب لبنان» لتعميمهم على العواصم العربية والغربية.

وأكدت الورقة أن الحكومة اللبنانية «تلتزم بحماية سلامة وأمن مواطنيها، وتحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس وفق القانون الدولي»، معتبرة في الوقت نفسه أنّ «القرار 1701 يبقى حجر الزاوية لضمان الاستقرار والأمن في جنوب لبنان» وأن«خفض التصعيد هو الطريق الأنسب لتجنب دوامة العنف المدمرة والتي سيكون احتواؤها أكثر صعوبة. ولكن، ليس بإمكان الحكومة التصرف بمفردها. على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً حاسماً وفورياً في تهدئة التوترات وكبح العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان».

وحددت«نهجاً ممنهجاً ومنتظما»لـ«تحقيق خفض التصعيد وإعادة إرساء الاستقرار»، داعية إلى«التنفيذ الكامل والمتكافئ لقرار مجلس الأمن رقم 1701»وفي هذا السياق«سيؤدي الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل دوراً محورياً. وبهدف ضمان توافر الشروط اللازمة لتنفيذه تلتزم الحكومة اللبنانية بزيادة عدد أفراد الجيش اللبناني من خلال حملة تجنيد جديدة»، مؤكدة عدم«اتفاق الرئيس بايدن لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو إلى تنفيذه الفوري وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2735».

وفي حين تمّ التعاطي مع التزام لبنان المكرّر بالقرار 1701 كمرتكز لإعادة الاستقرار الى الجنوب على أنه يُلاقي في جانب منه مواقف أممية تجزم أنّ لا بديل عن هذا القرار بـ«حرفيته»لـ«اليوم التالي»لبنانياً مع الحاجة إلى«مراسيم تطبيقية»له تراعي المستجدات في الجنوب منذ 8 أكتوبر، وهو ما يرتاب منه«حزب الله»، سادَ اعتقادٌ بأن التجديد الدوري لقوة«اليونيفيل»نهاية الجاري في مجلس الأمن سيكون بمثابة تفعيلٍ دولي للـ1701.