كتب منير الربيع في “المدن”:
إلى الدوحة تتجه الأنظار. مصير منطقة الشرق الأوسط يمكن أن يُرسم بما سيُبنى على الأراضي القطرية، التي تشهد مفاوضات لوقف الحرب على غزّة. إنها أيام مصيرية على حدّ تعبير مسؤولين دوليين، عرب، ولبنانيين. في حال نجحت الدول الساعية للوصول إلى إتفاق وقف إطلاق النار، فذلك سينعكس ارتياحاً في مختلف دول المنطقة.
تنخرط الولايات المتحدة الأميركية، قطر ومصر في مساع حثيثة لتقريب وجهات النظر وإنجاز الصفقة، وفق ما اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن. وقد أصبح المقترح معروفاً، مرحلة أولى من وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع، يتم خلالها إطلاق سراح عدد من الرهائن. ومرحلة ثانية يستكمل فيها التفاوض لاستكمال عمليات تبادل الأسرى وإنجاز ترتيب انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع والمعابر الرئيسية، وحسم مسألة السيطرة على محور فيلادلفيا وممرّ نتساريم. الأهم بالنسبة إلى حركة حماس، أن يستمرّ وقف إطلاق النار طالما أن المفاوضات مستمرّة.
استغلال طهران والحزب
تكدّ الولايات المتحدة الأميركية، قطر ومصر في سبيل إنجاز الاتفاق، وسط ضغوط كبيرة يتعرّض لها نتنياهو. هنا تستخدم واشنطن طهرانَ وحزبَ الله كأحد العناصر الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية اليمينية. إذ أن جزءاً من الضغوط التي تُمارس على نتنياهو لضرورة القبول بالصفقة هو تجنّب ردّ الإيرانيين والحزب، واللذين سيكونان قويين ومؤذيين لإسرائيل ويمكنهما دفع المنطقة إلى حرب إقليمية لا يريدها أحد.
بذلك، فإن إيران ستكون شريكة في المفاوضات، وحاضرة على الرغم من غيابها، لا سيما أنه في حال نجحت المساعي ستنسب طهران لنفسها مع حزب الله فضل فرض الاتفاق والنجاح بوقف إطلاق النار، بسبب تهديداتهما بالردّ القوي. وهو ما فرض على الإسرائيليين التراجع، لأن كل التجارب السابقة قد فشلت في إنجاز الاتفاق. أما نجاحه، فحتما ستنسبه إيران إلى نفسها بالمعيار العسكري، على قاعدة أن إسرائيل أرادت التهرّب من ردّ طهران والحزب.
حسب ما تشير مصادر ديبلوماسية متابعة، هناك فرصة كبيرة لنجاح المفاوضات، بفعل الضغوط الدولية التي تُمارس، ومن خلال محاولات إقناع نتنياهو بتجنيب المنطقة حرباً إقليمية واسعة. وحتماً المفاوضات ستحتاج لأيام ولا يمكن حسمها سريعاً.
قلق المحور وقرار نتنياهو
في المقابل، تقول مصادر في محور المقاومة: “نحن نعطي فرصة للمفاوضات مع الاحتفاظ بأسباب كثيرة تدعو إلى القلق، أولاً، لأنها المرة السابعة التي تحصل فيها المفاوضات، وسبق لنتنياهو أن عرقل كل المسارات السابقة. وثانياً ضعف الإدارة الأميركية وعدم قدرتها على التأثير على نتنياهو. ثالثاً أن مشروع نتنياهو هو مواصلة العمل العسكري في غزة من دون أي رؤية أخرى، وتمسّكه بمعادلة تدمير حماس، التي لا يكفّ عن إعلانها على الرغم من عدم واقعيتها وعدم اقتناع جزء كبير من الإسرائيليين والأميركيين بها.
من جهة أخرى، فإن الأسباب التي قد تدفع نتنياهو لقبول الصفقة، هو إرضاء الأميركيين وتجنّب المزيد من الضغوط، وتخفيف حدّة الضغط الداخلي الذي يتعرّض له، بالإضافة إلى سعيه لتجنّب الضربة الإيرانية وضربة حزب الله، وتأجيلهما.
لبنان والصفقة
لا شك أن إنجاز الصفقة سيقود حركة حماس إلى مرحلة جديدة، أولها أن الاتفاق أبرم مع رئيسها الجديد يحيى السنوار، بكل ما يحمله ذلك من معان. ثانيها، ستستفيد الحركة من وقف النار لإعادة ترتيب وضعها وتنظيم هيكليتها. ثالثها إراحة الشعب الفلسطيني داخل القطاع وإدخال المساعدات الطبية والغذائية ووقف المجازر.
لبنان، في قلب هذه الصفقة أيضاً. فزيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين من ضمن جولة لمسؤولين أميركيين في مواقع مختلفة على المنطقة، دليل على أن لبنان لم يعد مفصولاً عن تطورات الوضع في غزة والمنطقة. ووقف إطلاق النار في القطاع سينسحب تلقائياً وقفاً لإطلاق النار على الجبهة الجنوبية. وهذا ما يؤكده غالبية المسؤولين الدوليين، وآخرهم هوكشتاين أو وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الذي سارع إلى بيروت بعد زيارة الموفد الأميركي، مع ما تحمله الزيارة الفرنسية من مقاصد غايتها الإشارة إلى إثبات الحضور وعدم ترك الأميركيين وحدهم، ولتحفظ باريس موطئ قدمها على الساحة اللبنانية، ولتكون شريكة في أي وقف لإطلاق النار سيحصل.