كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
يصرّ حزب الله في خطاباته العلنية على أن الرد على اغتيال إسرائيل القائد الجهادي الكبير فؤاد شكر هو رد حتمي وسيحدث بمعزل عن مسار استمرار جبهة المساندة أو وقف إطلاق النار في غزة.
بيروت ـ «القدس العربي»: يصرّ حزب الله في خطاباته العلنية على أن الرد على اغتيال إسرائيل القائد الجهادي الكبير فؤاد شكر هو رد حتمي وسيحدث بمعزل عن مسار استمرار جبهة المساندة أو وقف إطلاق النار في غزة. وهذا ما أعلنه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله في إطلالتين إعلاميتين وكرّره نائبه الشيخ نعيم قاسم وعدد من نواب كتلة «الوفاء للمقاومة».
ولأن الرد تأخر، فقد لجأت القيادة الحزبية إلى أمور ثلاثة لتبريد وتبديد هذا التململ أولها تكثيف الخطابات التي تؤكد الالتزام بهذا الرد الموعود مهما طال الوقت واعتبار التأخير جزءاً من المعركة والحرب النفسية التي جعلت تل أبيب في ضياع ودفعتها إلى تحديد أكثر من توقيت للرد وللأهداف المتوقعة، ثم تأتي الأوقات وتُصاب بالخيبة. وثانيها دعوة البيئة الحاضنة إلى الثقة بقيادة المقاومة التي تزين خطواتها بحكمة وتدرس الرد المناسب بحسب توقيتها وليس بحسب توقيت إسرائيل حفاظاً على مصلحة شعبها ولاسيما أنها تدرك أن هذا الرد لن يمر من دون رد إسرائيلي. وثالثها نشر الفيديو عن المنشأة العسكرية تحت الأرض التي تحتوي على أنفاق ضخمة وعلى راجمات صواريخ وتجهيزات عسكرية بهدف رفع معنويات هذه البيئة الحاضنة حتى إذا تأخر الرد أكثر أو لم يتم استدراكاً لرد إسرائيلي مضاد، يكون هذا الفيديو بمثابة رد ضمني على إسرائيل. تزين الخطوات بميزان رؤيتها للمصلحة، وبميزان رؤيتها لعزة وكرامة شعبها ومصلحة بلدها، فالمقاومة تضع ذلك كله في رأس الأولويات،
أكثر من ذلك، ذهبت قيادة حزب الله إلى التسويق أن زيارات الموفدين الدوليين إلى بيروت وفي طليعتهم الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه تأتي لحماية الكيان الإسرائيلي وخوفاً من الرد الموجع المرتقب عليها ولممارسة الضغوط على لبنان لاحتواء التصعيد. وتبدو وجهة النظر هذه واقعية في مكان ما، إلا أنها في نظر قوى المعارضة تعبّر عن مبالغة في غير محلها، إذ إن الموفدين الدوليين صحيح أنهم يدعون إلى تجنب التصعيد على الجبهة الجنوبية لكنهم في الوقت ذاته ينقلون أجواء مفادها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استجاب لغاية تاريخه للرغبات الأمريكية والفرنسية بعدم توجيه ضربة استباقية لإيران وحزب الله، يتحيّن فرصة أي رد على اغتيال شكر أو رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية لتوجيه ضربة مدمّرة لكل من لبنان وإيران قد تفتح الباب أمام حرب شاملة.
من هنا، شدّد الموفدون الدوليون على ضرورة نزع أي ذريعة لنتنياهو للتصرّف بهمجيته المعروفة والمسارعة إلى انتزاع التزام جدي من قبل الدولة اللبنانية بتطبيق القرار 1701 ليس قولاً بل فعلاً وبصيغة أشمل تضمن انتشار الجيش اللبناني بمؤازرة قوات «اليونيفيل» جنوب نهر الليطاني وحظر أي وجود مسلّح. وقد أيّد نواب المعارضة الذين التقوا آموس هوكشتاين تنفيذ القرار 1701 وعدم الخروج عن هذا الاتفاق الذي أقر بإجماع دولي.
وكان نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان واضحاً بالدعوة إلى تطبيق القرار الدولي على كامل التراب اللبناني وعلى كل الحدود وعدم القبول بأي اجتزاء، قائلاً «إذا كان تطبيقه يستلزم تعدد مراحل فالتطبيق يقتضي تحديد كل مرحلة بوضوح مع روزنامة زمنية محددة وأن تتم الموافقة العلنية من الأطراف المعنية مباشرة على كل المراحل». ورأى عدوان أن عدم توسيع الحرب يمر بتطبيق القرار 1701 مطالباً الحكومة «بأن تأخذ قرارها بيدها وتنشر الجيش اللبناني جنوباً خصوصاً أن القرار يقضي بضبط الحدود كلها وأن لا يبقى سلاح خارج الجيش اللبناني، ويمنع أي دولة أجنبية من إرسال أسلحة إلى غير الدولة اللبنانية».
ومن الواضح أن الوفد النيابي المعارض كان يلمّح من خلال موقف النائب عدوان إلى أن القرار 1701 لم يُطبّق جدياً ليس من قبل تل أبيب فحسب بل أيضاً من قبل حزب الله الذي احتفظ بترسانة عسكرية جنوب نهر الليطاني وتلقى السلاح والصواريخ من إيران، وواصل بناء قدراته وتجهيزاته العسكرية والدليل المنشأة العسكرية تحت الأرض وهي ليست الوحيدة، في وقت تجنبت قوات «اليونيفيل» ومعها الجيش اللبناني الاصطدام بحزب الله والاحتكاك مع ما يسمى «الأهالي» وقد ساهمت هذه التساهلات في تمدد نفوذ الحزب حتى تاريخ 8 تشرين الأول، وانكشفت كل هذه الترسانة وكل هذه القدرات العسكرية بعد فتح جبهة الاسناد التي نأت حكومة تصريف الأعمال عنها قبل أن تتحوّل إلى «صدى لحزب الله» على حد قول حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
واللافت أن رافضي توسع الحرب في لبنان دأبوا على تشجيع الحكومة على اتخاذ الخطوات الآيلة لتنفيذ جدي للقرار 1701 ومن بينها تطويع 1500 جندي في الجيش اللبناني في إطار خطة لتطويع 6 آلاف والتمهيد لنشرهم في الجنوب، معتبرين أن هذه الخطوات تشكل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار وعدم تجاوز الخطوط الحمر. لكنهم في الوقت ذاته يدركون عجز الحكومة الحالية التي يهيمن عليها فريق الممانعة عن ضمان القيام بأي شيء في ظل سطوة حزب الله. ومن هنا تأتي الدعوة لجبهة مساندة من المجتمع الدولي للضغط على لبنان الرسمي من أجل تطبيق القرار 1701 وعدم الاتكال على المواقف الكلامية، لأنه من دون تدخل المجتمع الدولي سيبقى لبنان مهيمناً عليه من قبل المحور الإيراني وساحة مستباحة.