IMLebanon

حسابات صفقة غزة المنتظرة: ربح وخسارة

كتب منير الربيع في “المدن”:

تتواصل المساعي الدولية والضغوط على إسرائيل، لإنجاز وقف إطلاق النار في قطاع غزة. تتركز النقاشات على تفاصيل التفاصيل حول ترتيبات الوضع بالنسبة إلى النقاط العالقة، وأبرزها محور فيلاديلفيا، معبر رفح، معبر نتساريم، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. كل الأجواء الديبلوماسية تفيد بأن الضغوط جدية جداً للوصول إلى وقف النار، في مقابل تسريبات إسرائيلية تفيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال مصراً على مواصلة الحرب بعد إنجاز صفقة تبادل الأسرى والرهائن. بعض التسريبات نقلت أن نتنياهو طلب من الأميركيين تعهداً خطياً بالموافقة على استئنافه للقتال.

لا تزال المفاوضات بحاجة إلى وقت، وهو ما يسعى نتنياهو إلى استغلاله لممارسة المزيد من الضغط العسكري، وهو ما تنقله أيضاً وسائل إعلام إسرائيلية عن تقديرات الجيش، وكان آخرها أن الضغط على لواء رفح في حركة حماس يمكن أن يعزز موقع إسرائيل التفاوضي. لا تبدو إسرائيل على موقف واحد بشأن وقف الحرب وإنجاز الصفقة. ولكن الضغوط كبيرة على نتنياهو لإقناعه بذلك. بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات، فإن كل طرف بدأ يجري حسابات الربح والخسارة. ولكن الأكيد أنه في الظاهر المطلق هناك مسعى أميركي لإظهار إسرائيل بأنها ربحت الحرب، كي لا يخرج نتنياهو بصورة المهزوم. في المقابل، فإن حماس أيضاً سيكون لديها صورة الربح. إذ ستكون حافظت على بقائها سياسياً وعسكرياً وأمنياً في القطاع، ولم تتمكن إسرائيل من إنهائها أو سحقها، على حدّ تعبير المسؤولين الإسرائيليين. وبالتالي، هي ستعلن انتصاراً طالما أنها استطاعت الحفاظ على بقائها وبنيتها.

بالنسبة إلى حسابات إسرائيل، فإن نتنياهو يستعد لتقديم الأسباب الموجبة التي دفعته إلى قبول الاتفاق في حال حصل. ولا بد لهذه الأسباب أن يسوّق فيها “انتصاراته” للداخل الإسرائيلي. سيقول نتنياهو إنه تمكن من اجتياح غزة، وتنفيذ عمليات اغتيال كبرى، ونجح في الوصول إلى معبر رفح، وسيطر على المفاصل الأساسية في القطاع ودمّر الكثير من الكتائب العسكرية لحركة حماس. كما سيقول إنه نجح في استدراج الأميركيين إلى المنطقة، لتأكيد تحالفات إسرائيل القوية. أما على صعيد ما هو أبعد من القطاع، فهو سيقول إنه نجح في اغتيال الكثير من قيادات حزب الله، وصولاً إلى استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي العسكري الكبير فؤاد شكر. كما أنه استهدف العاصمة الإيرانية طهران واغتال فيها اسماعيل هنية. ولم تتعرض إسرائيل للردّ بفعل القوة الإسرائيلية العسكرية والسياسية، من خلال العلاقات والتحالفات ولا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية.

وللداخل الإسرائيلي سيقول إنه لولا الضغط العسكري لما تمكنت إسرائيل من الإفراج عن أسراها ورهائنها. كما من المكاسب التي سيسجلها هي حصوله على 20 مليار دولار من أميركا، بالإضافة إلى استعادة ترتيب العلاقة مع واشنطن، على أن تكون علاقته مرتبة مع الديمقراطيين بالإضافة إلى علاقته الجيدة بترامب.

أما بالنسبة إلى حركة حماس، فهي ستكون قد ثبتت شرطاً من شروطها حول وقف النار، وإطلاق سراح الأسرى لديها عبر مفاوضات وصفقة إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. كذلك نجحت في الحفاظ على بنيتها العسكرية والأمنية، ولم تتمكن إسرائيل من القضاء عليها أو القضاء على قدراتها العسكرية أو تهجير قياداتها من غزة. وسياسياً، من خلال إنجازها للمفاوضات أي انتزاع اعتراف إسرائيلي ودولي وأميركي بالتحديد من خلال التفاوض معها، بالإضافة إلى منع مشروع التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين من قطاع غزة. طبعاً على صعيد الخسائر، فبالتأكيد هناك خسائر كبيرة على المستوى البشري وفي مقومات الحياة في غزة والبنى التحتية.

لا يمكن إغفال حسابات إيران وحزب الله في الربح والخسار عن ما جرى، فالإيرانيون والحزب سيربحون فرضهم وقف إطلاق النار، والذي كانت ترفضه إسرائيل طوال الفترة الماضية، وأنها قبلت بالصفقة حالياً بفعل تهديد إيران والحزب بتنفيذ ضربة قوية رداً على استهداف الضاحية وطهران. كما أن الحزب وإيران سيكونان قد وقفا إلى جانب حماس وخلفها في الخيارات والقرارات التي اتخذتها، مع احتفاظهما بحق الردّ، أي من دون التخلي عن هذه الورقة، كما سيستفيدان من الوقت لإعادة ترتيب وضعهما على المستويات العسكرية والسياسية والبشرية.
ستكون إيران قد نجحت بالالتزام بالمصلحة المشتركة بينها وبين الأميركيين في منع الحرب، التي أراد نتنياهو أن يفرضها على الجميع، بالإضافة الى إسقاط مساعي نتنياهو لاستقطاب بعض العرب إلى جانبه لإنشاء تحالف ضد إيران. ستقول إيران إنها نجحت في تكريس نفسها ومحورها كأصحاب دور محوري على مستوى المنطقة، في الحرب أو في المفاوضات، وبالتالي ستنتزع اعترافاً دولياً بقدرتها على التأثير في مسارات الأمور والتطورات. وهو ما ستستغله لتكريس نفوذها.

هي حسابات الربح والخسارة لهذه الجولة، مع ترقّب وانتظار لجولة جديدة من القتال. ولكن أي تجدد للقتال أو للمشروع الإسرائيلي في اسئناف العمليات العسكرية للتهجير، فذلك سيجعل دول أخرى في مواجهة هذا المشروع، ولن تكون حماس وحدها. كذلك فإن حجم المجازر الإسرائيلية التي ارتكبت في غزة ستنتج جيلاً جديداً لمواجهة إسرائيل ومقاتلتها، ولمواجهة ما سعت إسرائيل إلى تحقيقه، وهو إنهاء ظروف ومقومات الحياة في غزة. ذلك أيضاً يفرض تحدياً استراتيجياً على حركة حماس وكل الفلسطينيين في مواجهة صعوبات كبرى لإعادة مقومات الحياة وبقاء الفلسطينيين في أرضهم وإعادة الإعمار. نجاح المفاوضات وإبرام الصفقة قد يكون محطة مؤقتة بانتظار حرب أخرى، طالما أنه في إسرائيل حكومة ذات مشروع توسعي مشابه لمشروع نتنياهو ووزرائه اليمينيين.