IMLebanon

“خطط برمائية” للفرار من الحرب

جاء في “الراي”:

الجميعُ في لبنان في انتظار ما يشبه «الساعة صفر» لحربٍ متعددة الأوصاف في ضوء تأكيد «حزب الله» المتكرّر عزمه على الردّ على اغتيال إسرائيل أحد قادته العسكريين البارزين فؤاد شكر، وتلويح تل أبيب بالاستعداد للردّ على الردّ، ما يعني احتمال الذهاب إلى دورة مجنونة من العنف.

وعلى صفيح هذا الانتظار الرهيب، أمطرتْ السفاراتُ الأجنبية في بيروت رعاياها بـ «وابلٍ» من التحذيرات وسط خطط إجلاء أُعدت لـ «الطوارئ»، فيما بدا التهافتُ الدبلوماسي متعدد الجنسية على العاصمة اللبنانية وكأنه يُعْلي الكلامَ عن «أسوأ» تنتظره بلاد الأرز في حال تَدَحْرَجَتْ المواجهاتُ على جبهتها الجنوبية.

في مطار رفيق الحريري الدولي، المطارُ «اليتيمُ» الذي لم يَسمح مَن في يدهم «الحل والربط» بفتْح مطاراتٍ سواه، حركةُ مغادرةٍ كثيفة وحركةُ وصولٍ خافتةٍ في ظل تعليقِ عددٍ كبير من شركات الطيران العربية والأجنبية رحلاتها من لبنان وإليه، ربطاً بارتفاع مستوى أخطار انفجار حربٍ قد تتحوّل إقليمية.

والسؤال الذي صار مشروعاً في بيروت هو: ماذا لو أقفل المطار الوحيد؟ من أين «المفرّ»؟ وما مصير خطط الإجلاء أو الراغبين في المغادرة هرباً من الحرب في حال تَمَدُّدها؟ وأي بدائل يمكن اعتمادها في ظل أخطار مماثلة في «الجارة» سورية؟

… في لبنان وعلى مدى عقود مديدة، غالباً ما اضطُر المواطنُ إلى اجتراح حلولٍ لمشكلات طارئة وداهمة (تصبح دائمة) نتيجة هشاشة الدولة… هكذا حَدَث على امتداد الحرب المُسماة أهلية، وفي أعقابها مع تَعَطُّل آليات الحُكم وتمادي الأزمات وشَلَلِ المؤسسات، الأمر الذي جَعَلَ اللبناني، وقطاعه الخاص، بديلاً عن دولته في تَدَبُّر أمره.

وعلى قاعدة فتِّش عن الحلول ولو البرمائية، اتّجهتْ العيون فوراً، إلى المنافذ البرية كما إلى «الأزرق الكبير» وأفقهما المفتوح على بدائل قديمة – جديدة متاحة.

… في البحر تحوّلت منطقة المارينا السياحية في ضبية (ساحل المتن الشمالي) قبلةَ الأنظار هذه المرة وليس مرفأ جونية الذي جُمّد مشروع توسعته وتطويره (وفق مرسوم الصادر عام 2008) الذي أريد منه جعْله مرفأ سياحياً يتّسع لسفن كبرى، ليبقى اليوم مرفأ محدود الإمكانات وغير قادر على استيعاب سفن كبيرة تساعد مثلاً في عمليات الإجلاء. ورغم أن ثمة حوضاً سياحياً فيه تَستخدمه اليخوت الخاصة للسفر إلى قبرص واليونان وتركيا وتتواجد فيه أجهزة الأمن العام والجمارك، لكن وفق ما علمتْ «الراي» من أكثر من مصدر ولا سيما أصحاب اليخوت، فإن هذا الميناء لا يؤمن التجهيزات التقنية ذاتها التي توفّرها المارينا في ضبية، ولذا بات أصحاب اليخوت يفضّلون أن ترسو هذه الأخيرة في ضبية ويكون انطلاق رحلاتها من هناك. ولكن في حال الطوارئ يمكن لمرفأ جونية أن يَستقبل سفناً تجارية صغيرة، وإن كانت «خطة الطوارئ» (التي وضعتْها الحكومة ووزارة الأشغال والنقل) لم تلحظ استخدام هذا المرفأ، كما سبق لـ جوان حبيش رئيس بلدية جونية أن قال في حديث له.

يبقى القطاع الخاص حتى اللحظة صاحب الرؤية الإنقاذية والحلول البديلة. شركة Sailing Plus التجارية التي تملك عدداً من اليخوت الفاخرة وَضَعَتْ مع السفارات خطةً للإجلاء كما يقول لـ «الراي» صاحبها سيزار أبي عقل وقد وقّعت حتى اليوم مع سبع سفارات أوروبية وعربية و أميركية لإجلاء رعاياها في حال أُقفل مطار بيروت. وسبق للشركة أن نفذت رحلات إجلاء مماثلة في حرب تموز 2006، علماً أنها ليست متخصصة بنقل الركاب ولا تبيع بطاقات سفر لركابها بل هي تؤجر يخوتها للراغبين بالتنقل بين البلدان المجاورة بناءً على الرخصة الممنوحة لها من الدولة اللبنانية.

ويوضح أبي عقل «ننطلق من المارينا في ضبية ونتصرّف كما لو كنا في المطار مع ما يقتضيه ذلك من وجوب حصول المسافرين على فيزا إلى قبرص او فيزا شنغن او أن يتواجد معهم جواز سفر أوروبي. وفي المارينا هناك مركز للجيش اللبناني والجمارك والأمن العام للتدقيق بجوازات وتأشيرات كل المسافرين، كما أن أي رحلة يجب ان تستحصل على موافقة إدارة مرفأ بيروت. ويجب إعلام السلطات القبرصية أو اليونانية او التركية بأسماء الركاب وتزويدها بالمعلومات الأساسية عنهم ليتم قبول دخولهم إلى هذه البلدان. لدينا تقريباً 15 يختاً يمكننا تأجيرها، لكنها بالطبع لا تكفي لعمليات إجلاء واسعة».

باعتراف الجميع كلفة استئجار يخت ليست قليلة وقد تراوح بين 5000 دولار للرحلة الواحدة التي تتسع لـ 15 شخصاً إلى 20000 دولار لرحلة تتّسع لأربعين شخصاً. ويمكن لليخوت الكبيرة أن تستوعب على متنها حتى 80 شخصاً لكن دون تأمين منامة لهم وهذا ما يُعرف باسم المسافرين المياومين وحينها قد تصل الكلفة إلى 40000 دولار.

ووفق ابي عقل «تتم عادةً استئجارُ اليخت من قبل شخص واحد يوقّع العقد ويمكنه أن ينقل معه عدد الأشخاص الذي يتحمّله المركب وفق الرخصة الممنوحة له. وفي هذه الحال يمكن أن يتم تقسيم المبلغ على عدد الركاب. والمسافرون غالباً ما يقصدون جزيرة قبرص لأنها الأقرب إلى لبنان والأقل كلفة، ومن مطارها يتوجهون إلى حيث يريدون. كذلك يمكن التوجه إلى تركيا، وهذه حال بعض من لا يملكون تأشيرة للدخول إلى قبرص أو تأشيرة أوروبية حيث يعملون متى وصلوا إلى اسطنبول للحصول على فيزا أو العودة مباشرة إلى البلد الذي يملكون فيه إقامة مثل المقيمين في دول الخليج. وعموماً يفضّل المسافرون العرب التوجه إلى تركيا بينما المغتربون اللبنانيون كما الأوروبيون يفضلون التوجه إلى قبرص اليونانية عبر مرفأ لارنكا».

ويضيف: «منذ السابع من تشرين الاول الماضي بدأنا نتلقى طلبات من لبنانيين يعيشون في الخارج ومن بعض السفارات. وحتى اليوم قمنا بنحو عشر رحلات لكن الطلب ازداد في الآونة الأخيرة. ورغم اقتناعنا بأن الحرب لن تَحدث إلا أننا جاهزون ويمكننا تسيير أكثر من رحلة في اليوم ولا سيما أنها الوصول إلى قبرص لا يحتاج لأكثر من ست ساعات، كما يمكن تسيير كل اليخوت في يوم واحد. وما ينبغي أن يعرفه المسافر هو وجوب البحث عن شركة مرخصة موثوقة وحاصلة على رخصة يغطّي تأمينُها ليس المركب فحسب بل المسافرين عليه أيضاً».

وكانت السفارة الأميركية قد أعلنت أن لديها خطة لإجلاء نحو 100000 شخص ممن يحملون الجنسية الأميركية (جزء كبير منهم من مزدوجي الجنسية) ولا شك في أنه سيكون إجلاء بحرياً. ولكن حتى اللحظة يقول ميغال كرم أحد اصحاب شركة Boating Lebanon «تَرِدُنا الكثير من الاتصالات يومياً يفوق عددها 3000 استفسار، لكن فعلياً المُغادِرون لم يتخط عددهم 3 أشخاص. فالخائفون الذين يستفسرون يهالهم السعر إذ لا يخت يمكن استئجاره بأقلّ من 10000 دولار عندنا، وحتى ولو نَقَل شخصان على متنه. نحن لا نتاجر بهذه القضية، لكن كلفة صيانة اليخت ورسوّه في المارينا ومازوته وطاقمه عالية جداً، كما أن إجازة سلامة الإبحار التي يجب الحصول عليها لا تُمنح إذا لم يكن اليخت جاهزاً تماماً ومزوَّداً بكل وسائل السلامة أو إذا لم يتم الالتزام بعدد الأشخاص الذين يمكن أن ينقلهم. بعض أصحاب الأعمال الكبرى في الخارج و المضطرون للمغادرة بفعل ارتباطاتهم لا يسألون عن الكلفة لأنها تبقى أقل من كلفة الخسارة التي سيتكبدونها لو اضطروا للبقاء في لبنان بعيداً عن أعمالهم ومصالحهم».

حتى اليوم تؤكد غالبية شركات اليخوت أن لبنان لم يصل بعد إلى مرحلة الهروب او الإجلاء الاضطراري، وثمة سفارات تتصل وتسأل عن العقود «لكن لا شيء جدياً»، كما يقول كرم «وربما إذا حصلت الضربة الكبيرة كما يشاع قد تتغير الأوضاع و يصبح الكل مستعدين لدفع مبالغ كبيرة للمغادرة».

صور ومعلومات تعيد إلى الذاكرة حرب تموز 2006 وقبلها الحرب الأهلية وما رافقهما من أهوال، فهل أصحاب اليخوت متوجّسون مما يمكن أن يَعترض سفرهم من مخاطر؟ يجيب كرم: «لسنا خائفين، فنحن نقدّم أفضل ما عندنا، لكن ثمة عوامل لا نستطيع التحكّم بها مثل حال البحر أو الوضع العسكري في البحر».

إلا أنه ورغم الهواجس، فإن حال أصحاب اليخوت مثل حال غيرهم من اللبنانيين: جاهزون، لكنهم لا يشعرون بأن حرباً قاسية ستحدث.

وكما طريق البحر مفتوحٌ، هكذا أيضاً طريق البر. فقد بدأ البعض يقدّمون اقتراحاتٍ جديةً لمغادرة لبنان عن طريق البر عبر الأردن مروراً بسورية، التي تبقى خياراً بالنسبة إلى غالبية اللبنانيين والأجانب الذين يمكن أن يلجأوا إلى الهروب براً ولكن كممرٍّ لا مفرّ منه يوصل إلى عمّان، وليس كمقصدٍ يتم الانطلاق منه إلى وجهةِ السفر النهائية وذلك نظراً لظروفها الأمنية وكون مطار دمشق معرّضا للقصف في أي وقت، أما مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية فهو البديل الآمِن.

شركة فلاديمير للسياحة والسفر، التي اعتادت تسيير رحلات ترفيهية إلى الأردن عبر سورية ببولمانات كبيرة تتسع لنحو 50 شخصاً أطلقت أخيراً مبادرةً بتسيير رحلة خاصة إلى عمان نتيجة كثافة الاتصالات التي تلقتْها ليتمكن الحاصلون على بطاقات سفر والذين تَعَذَّرَ عليهم استعمالها نظراً لإلغاء بعض شركات الطيران رحلاتها إلى بيروت من المغادرة عبر مطار عمان. وتكلفة الرحلة بالباص 75 دولاراً، وهي تنطلق صباحاً لتصل إلى عمان ظهراً. ومعروف أن شركات السياحة اللبنانية التي تسيّر رحلات سياحية دائمة إلى عمان قادرة على الحصول على فيزا موقتة لزبائنها عند الحدود السورية – الأردنية تتيح لهم دخول الأردن لفترة محددة. ويكفي ان يكون معهم جواز سفر لبناني صالح للحصول على تأشيرة فورية.

لكن رغم كون هذا الخيار عمليّا و يمكن تحقيقه، إلا أن البعض يتهيّبون المرور في سورية لأسباب عدة أبرزها الوضع الأمني فيها، وعدم رغبتهم في ختم جواز سفرهم من السلطات السورية مع ما يعنيه ذلك بالنسبة لهم من مشاكل لاحقة للحصول على تأشيرات إلى الدول الأوروبية أو أميركا.

لكن يبقى السفر براً خياراً مطروحاً بجدية ما لم تعكّر مسارَه أحداثُ حربية أو أمنية.