كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
“ربط الواجبات بالحقوق” معادلة خرج بها الاجتماع الطارئ الذي ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان تحت عنوان “خطر الاقتصاد الموازي على الكيان والعيش المشترك”. على أن يُستكمل في اجتماع مقبل يُعقد في بكركي الأربعاء المقبل برئاسة سيّد الصرح.
“هزّة عصا” اجتماعية – اقتصادية للسلطة السياسية، خرج بها اجتماع الديمان، استدعت الشدّ على زناد “المساواة” أمام القانون والضريبة…
فـ”الاقتصاد الموازي” استدعى اللقاء الموسَّع تحت سقف البطريركية المارونية، في ظل شلل حكومي يعجز عن معالجة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يسير في نفق “الاقتصاد الأسود” من دون حسيب أو رقيب.
الحكومة مقفلة أمام أي إصلاح… 5 سنوات من الانهيار بدون أي مبادرة للإنقاذ! كل ذلك في ظل فواتير خياليّة للخدمات العامة كالرسوم البلدية والكهربائية وغيرها… فيما الدولة غائبة عن تأمين أدنى حقوق شعبها الذي يئنّ من ثقل الأزمات… وما أكثرها!
الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي الذي شارك في اجتماع الديمان، يشرح في حديث لـ”المركزية” حيثيات اللقاء وثوابته: صحيح أن علينا واجبات اتجاه الدولة، لكن لنا في ذمّتها حقوق كثيرة لا ولم نحصِّل منها شيئاً حتى اليوم. من هنا، لا يجوز لها أن تطالبنا بفواتير باهظة ثم تتركنا في العتمة الشاملة وتقطع عنا مياه الشفة وتعجز عن إيجاد حل لمشكلة الودائع المصرفية والتي ثبُتَ أنها عالقة بين البنك المركزي والخزينة العامة، بغضّ النظر عمّن هو المسؤول عن ضياع تلك الأموال.
ويكشف في السياق عن “حلول عملية عديدة طُرحت خلال الاجتماع لا تزال في طور الدرس، لكن بالطبع هناك موقف سيُتخَذ بإجماع كل مَن يمثّل الاقتصاد الشرعي بكل مكوّناته”، لافتاً إلى “كلام آخر دُوِّن في اجتماع الديمان حول مخاطر أخرى تهدّد الكيان اللبناني ستشكّل مادة بحث في لقاءات مقبلة”.
ويُشير إلى أن “السلطة تعالج المشكلات المتفاقمة بـ”التزوير” بعيداً من أي معالجة جديّة، بل انطلاقاً من نيّة الاقتطاع بنِسَب تعلو فوق أبسط الحقوق التي عليها تأمينها لمواطنيها! إذ لا يمكن للدولة فرض كل هذه الرسوم والفواتير الباهظة على خدمات لا تؤمّنها على الإطلاق، معطوفة على رسوم بلدية ارتفعت أضعافاً …. يريدون تحميل المكلّفين الملتزمين بواجبهم اتجاه دولتهم، أعباءً ضريبيّة باهظة من دون تأمين أي حق من حقوقهم في المقابل! هل يجوز ذلك؟!
من هذا المنطلق، “هدف اجتماع الديمان إلى ربط “الواجبات” بـ”الحقوق” بشكل عضوي، إذ إننا مستعدون للاستمرار في تأدية واجباتنا شرط أن تبدأ الدولة جدياً بتأمين حقوق اللبنانيين في المقابل. لا أن ترتّب علينا واجبات إضافية من دون تأمين أدنى الحقوق. فنحن غير قادرين على تحمّل هذا الوضع إطلاقاً!” بحسب يشوعي، ويذهب إلى القول: لا استقرار أمنياً، لا نيّة إصلاحية حقيقية نابعة إما عن عجز أم استخفاف أم سوء نيّة أم “البَطَر” الذي جعل الطبقة السياسية تعتبر نفسها من الآلهة لا من الناس!
“ربط الواجبات بالحقوق” محطّ دراسة قانونية
ماذا تعني معادلة “ربط الواجبات بالحقوق” عملياً؟ يُجيب يشوعي: هذه المعادلة محطّ درس من الناحية القانونية، محلياً وخارجياً، لأن الوضع القائم لا يجوز السكوت عنه بعد اليوم على الإطلاق. إذ لا تجوز معاقبة المكلَّف الملتزم والشركات التي تطبّق القوانين الضريبيّة وغيرها، في حين أن شركات أخرى لا تلتزم بأيٍ منها: لا تدفع الضريبة على القيمة المضافة ولا الرسوم الجمركية ولا مستحقاتها لدى الضمان الاجتماعي ولا ضريبة دخل ولا ضريبة أرباح…إلخ. هذا ما سمّيناه “الاقتصاد الموازي” أي الاقتصاد غير الشرعي والمتمثّل بالتهريب على حدود مفتوحة حيث يُقرّ الجيش اللبناني بأن هناك 365 كلم على طول الحدود مع سوريا، لا يستطيع بالعديد الموجود والقدرة الرقابية المتوفرة، أن يراقب كل هذه المساحة التي تتطلّب 40 ألف جندي فيما الموجود 4 آلاف! يُضاف إلى ذلك التهرّب الضريبي في ظل شركات غير شرعيّة تقوم بأنشطة مكتومة تحقّق أرباحاً على حساب الشركات الشرعية. والمشكلة أن هذه الشركات غير الشرعية تضع نفسها خارج المساءلة والمحاسبة والملاحقة… للأسف!
ويتابع: هذا الواقع أحدث “فئة شرعيّة” من اللبنانيين تمثّل الاقتصاد الشرعي خاضعة للقوانين وتسدّد الضرائب من “اللحم الحيّ” وتتكبّد خسائر جمّة للقيام بواجباتها، وذلك للتعويض عن عدم دفع الفئة “غير الشرعية” للرسوم والضرائب المتوجّبة عليها… إنه الاقتصاد الموازي” الذي يدفعنا إلى التشديد والتشبّث بضرورة مساواة الجميع من دون استثناء أمام القانون وأمام الضريبة، ومكافحة الاقتصاد الموازي غير الشرعي، ووضع خطة جديّة مُرفقة بجدول زمني لحل أزمة الودائع بعيداً من التصنيفات غير العلميّة. وطالما كل ذلك غير متوفّر، أصبح هناك مشكلة اتجاه الدولة.
عصيان مدني؟
وعن الكلام عن طرح العصيان المدني خلال اجتماع الديمان، يكشف يشوعي عن “نيّة بتوسيع حلقة التشاور في هذه النقاط، لتشمل كل مَن يمثّل الاقتصاد الشرعي إن في السياسة أو في الاقتصاد، ثم الدعوة إلى اتخاذ موقف موحَّد من هذه المسألة. وقد يتقرّر التهديد بتعليق القيام بالواجبات، إلى حين نلمس أن الدولة بدأت جديّاً بدرس تأمين حقوق المواطنين”، ويتابع: إن لم نتّخذ خطوة تهزّ الطبقة السياسية فلن تعي الأخيرة خطورة تنامي “الاقتصاد غير الشرعي” على حساب “الاقتصاد الشرعي”… إنها مسألة تمَسّ بالكيان وتدفع إلى الهجرة.
هذا الاجتماع الموسَّع، عُقد في “صرح ضنين على لبنان الرسالة، لبنان العيش المشترك واحترام وقبول الآخر، شرط أن يحترمنا هو أيضاً ويقبل بأن نعيش معاً بمساواة وبتشاور دائم في ما بيننا، على أن ينبع أي قرار أو موقف من إجماع الأطراف اللبنانية كافة من دون استثناء، وليس فرض إرادة أحد على الآخر…” يختم يشوعي.