كتبت زينب حمّود في “الأخبار”:
تغيب عن الضاحية الجنوبية لبيروت أجواء التحضير للعام الدراسي ويتريّث الأهالي في تسجيل أولادهم لشكوكهم حول ما إذا كانوا سيبقون في أماكنهم، في الساعات والأيام المقبلة، علماً أن بعضهم غادروا منازلهم أصلاً وبعضهم الآخر ينتظر بدء الحرب للمغادرة. حالة من عدم الاستقرار والترقب تخيّم على الجميع وتعرقل التخطيط لعام دراسي لا يُعرف إن كان سيبدأ في موعده، فيما الوقت ليس مؤاتياً لتكبّد الأقساط الخيالية وتكاليف الكتب المدرسية وبقية اللوازم، وخصوصاً أنّ البعض لم يسدّد كامل القسط عن السنة الماضية وسط الركود الاقتصادي وتعطّل الكثير من الأعمال بسبب الحرب.ووصل «اعتكاف» العائلات عن تسجيل أولادها إلى حدّ عدم السؤال عن موعد بدء العام الدراسي، إذ «لن أرسل الأولاد إلى المدرسة في ظروف كهذه»، يقول أحد أولياء الأمور. وخلافاً لما جرت عليه العادة من انطلاق مبكر للعام الدراسي لطلاب الشهادات الرسمية في أوائل أيلول «لم تراسلنا المدرسة بعد، ولم نسألها لأن الأجواء غير ملائمة للدراسة»، كما تقول سيرين، الطالبة في الصف الثالث الثانوي. إذ تراجع التعليم كأولوية لمصلحة التفكير في مكان آمن للنزوح، وتأمين متطلبات العيش إذا وقعت الحرب، وخصوصاً بالنسبة إلى العائلات التي غادرت منزلها في الضاحية، «فقبل أن أرجع إلى منزلي هل أفكر في مدرسة الأولاد؟»، تسأل علياء غير المتيقّنة ممّا «إذا كنت سأسجّلهم في مدرستهم نفسها في حارة حريك».
بعض الأهالي سددوا رسوم التسجيل أو دفعة أولى من القسط أو «عربوناً» رمزياً أواخر العام الماضي عندما كانت البلاد في حالة من الاستقرار. لكن، بعد الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية في 30 تموز الماضي، واستعار الحرب النفسية والتهديد بالحرب الشاملة وارتفاع منسوب القلق، تغيّرت كلّ الحسابات. ما عادت العائلات في وارد التحضير للعام الدراسي «إلى أن تشاهد بعينها انطلاقته بشكل طبيعي، عندها نشتري كل اللوازم المدرسية»، كما يقول أحد الأهالي. وهناك من يسألون على «غروبات الأهالي» على واتساب ما إذا كان هناك عام دراسي أصلاً ويتشاورون ما إذا كان الوقت مناسباً للتسجيل أو لا. إحدى الامهات حددت سقفاً لانتظارها، مطلع الشهر المقبل «عندها نكون قد قبضنا ويتبيّن إن كانت الحرب ستقع».
إزاء ذلك، تنتظر بعض المدارس «بيأس» قدوم أولياء الأمور للتسجيل، وتمارس ضغوطاً عليهم للمسارعة في تثبيت المقاعد «قبل نفادها». إحدى المدارس أرسلت رسائل نصية إلى الأهالي حول «تمديد مهلة التسجيل لأيام إضافية قبل إقفال باب التسجيل وخسارة المقعد»، رغم أنّه، بحسب أحد أساتذتها، «لا تتعدى نسبة التسجيل فيها 25%».
مقابل قلق الأهالي وتريثهم، تتصرف المدارس بشكل طبيعي وفق المخطط الذي رسمته لانطلاقة هذا العام. فمدارس المهدي مثلاً، «على أتمّ الجاهزية والاستعداد لإطلاق العام الدراسي بشكل طبيعي، من دون أن تمارس أي تعديل حتى الآن في جداول بدء العام الدراسي المحددة في حزيران الماضي»، بحسب مدير العلاقات العامة والإعلام بلال فنيش. فهل يتجاوب الأهالي مع هذه الجاهزية؟ يجيب فنيش: «لا نعرف كم ستكون نسب الالتحاق حتى يبدأ العام، لكن المعطيات الأولية تبشّر بالخير، فمدارسنا أقفلت باب التسجيل منذ نيسان الماضي مع اكتمال القدرة الاستيعابية في الفروع الـ 27 (بعدما أقفل فرع بنت جبيل) واستقبلنا 10 آلاف طالب، وهناك عشرات طلبات التسجيل التي تردنا يومياً، كما برزت الأجواء الإيجابية من خلال الهجمة على شراء الكتب والقرطاسية».
كذلك تواصل مؤسسات أمل التربوية تحضيراتها على صعيد اختبارات المعلمين الجدد وامتحانات الدخول للطلاب في ثانويتَي حسن قصير والكرامة في بيروت، ملتزمة بالروزنامة التي أطلقتها أواخر العام الماضي، على أن يبدأ العام الدراسي في 17 أيلول المقبل، «لأنه ليس هناك ما يتطلّب أيّ تأجيل أو تعليق للعام الدراسي حالياً، أما إذا حصلت أيّ تطورات فلن ننفصل عن المجتمع الذي نتواجد فيه»، كما يقول محمود عيسى، المدير التربوي في مؤسسات «أمل». ويتوقع عيسى انطلاقاً من «المعارك التي يخوضها الأهل للحصول على مقعد في صفوفنا، أننا أمام عام دراسي طبيعي. فالأهل كما يفكرون في إيجاد مسكن آمن في حال توسعت الحرب، يريدون ضمان تعليم أولادهم في حال السلم».