IMLebanon

لبنان يرصد “الأيام الحاسمة”… ويخشى “أيامًا قتالية”

كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:

على وقع اقتراب مفاوضات هدنة غزة من «خط النهاية» الذي تُكشف معه النياتُ الحقيقية و«النهائية» لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رَسَمَ «من أول الطريق» هدفيْن متناقضيْن، هما استعادة الأسرى والقضاء على «حماس»، بقي لبنان على تَرَقُّبه المُثْقَل بسيناريوهاتٍ سود تحوم فوق جنوبه، وسط تَشابُكٍ مُرْبِكٍ بين مناخاتِ الحرب النفسية الملتبهة والموصولة بمحاولةِ ردْع «حزب الله» عن تنفيذِ الردّ على اغتيال قائده فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت وحضّه على فكّ ارتباط هذه الجبهة بمجريات المواجهات في القطاع، وبين وقائع الميدان التي تشي بتحشيدٍ سياسي وعسكري من جانب تل أبيب تحت عنوان «إلى الشمال دُر».

وغداة ليلٍ مشتعل في جنوب لبنان تخلّلتْه استهدافات إسرائيلية عنيفة لِما قيل إنها أهداف لـ«حزب الله» في عشر بلدات، لم يقلّ نهار أمس، صخباً، قصفاً وغارات إسرائيلية وعمليات من الحزب، وسط سِباقٍ جديد تعزّزتْ ملامحه، بين ما بدا نسَقاً تمهيدياً لتصعيد أوسع تستدرجه تل أبيب وبين بلوغ مفاوضات هدنة غزة لحظةً حاسمةً ساد انطباعٌ بأن الوسطاء يتهيّبون التسليمَ بأنها ستحمل فشلاً في بلوغ اتفاقٍ يُراد منه واقعياً أن يشكّل «باباً خلفياً» لخروجِ جبهة لبنان من دوامة عنفٍ تشي بالانزلاق إلى انفجارٍ يُخشى أن يكون نتنياهو يتحيّنه على قاعدة «اشتدّي أزمة تنفرجي» في الساحتين… معاً.

وقبيل اجتماع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية الإسرائيلي لبحث ملفي صفقة التبادل وجبهة الشمال، كان لبنان عيناً على جهود واشنطن لمحاولة انتزاعِ «شيء ما» من نتنياهو، خلال الاتصال «الصعب» بينه وبين الرئيس جو بايدن، لضمان عقد محادثات القاهرة في اليومين المقبلين وعدم قفل باب الأمل بإنجاح «الفرصة الأخيرة» لتفادي فقدان السيطرة على الصراع المتعدّد الجبهة، وعيناً على حِراكٍ إقليمي متسارع عَكَس استشعاراً بمخاطر بلوغ الحائط المسدود ومسعى لضبْط تشظياتِ مثل هذا الأمر وخصوصاً في ظلّ استمرارِ جبهة لبنان على سخونتها وعدم تعطيل «صاعق» الردّ من «حزب الله» (على اغتيال شكر) وإيران (على اغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها).

وإذ اعتُبرت عودة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى واشنطن من دون تبلور «خريطة طريقٍ» لعبورٍ آمِنٍ لمفاوضات الهدنة مؤشراً لحجم التعقيدات التي تعترض وقف حرب غزة، وحتى إطلاق المرحلة الأولى من الاتفاق علّها «تشتري المزيد من الوقت» وتؤجل صِداماً إقليمياً لا تريده بالتأكيد واشنطن ولا طهران، فإن الأنظار اتجهتْ إلى زيارةٍ أعلنت وكالة «تسنيم» الإيرانية أن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني سيقوم بها لإيران في الأيام المقبلة، وسط التعاطي معها على أنها في سياق محاولةِ «التحسّب لكل الاحتمالات» على الجبهات الأخرى والتحوّط لها خصوصاً بحال بقي نتنياهو على شروطه.

وأبْدت أوساط سياسية في بيروت عدم ارتياح كبير لحرص نتنياهو بعد جولته في قاعدة «رمات ديفيد» قرب الحدود مع لبنان، على تأكيد «أننا مستعدّون لأي سيناريو سواء في الدفاع أو الهجوم، وسلاح الجو هو القبضة الحديد التي نستخدمها لضرب نقاط ضعف أعدائنا»، بالتوازي مع كلام الرئيس الجديد للاستخبارات العسكرية شلومي بندر عن «أن احتمالات التوسع قائمة»، وقبْلها إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت «أن الجيش الإسرائيلي استطاع القضاء على لواء رفح التابع لحركة حماس (…) والآن ننظر إلى الشمال».

وفي حين لم يقلّ دلالةً اعتبار وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير بعد تفقّده مستوطنة «كتسرين» (في الجولان المحتل) التي استهدفها «حزب الله» وأصاب منازل سكنية فيها – رداً على غارات متمادية على مستودعات سلاح له في البقاع – «ان كتسرين كتل أبيب، لا حديث مع حزب الله بل توجيه فوهات المدافع»، بدا من الصعب استشراف الوضع على جبهة لبنان خصوصاً في ظلّ استحالة وقف «حزب الله» عملياته ما دامت حرب غزة مستمرة، وهي مرشَّحة لمزيد من جولات الاستنزاف، واستحالة موافقة نتنياهو على بقاء الوضع عليها كما هو وذلك ربْطاً بما يرتأيه لـ «اليوم التالي» الذي يريده مختلفاً بالكامل عن الستاتيكو الذي ساد قبل 8 أكتوبر، أي اعتماد نسخة للقرار 1701 على قاعدة أن «ما لا يُرى» (من سلاح حزب الله ومقاتليه) جنوب الليطاني غير موجود.

وعلى وقع استمرار الخوف من أن يعمد نتنياهو، ورغم تردُّد «حزب الله» وإيران في الردّ على اغتيال شكر وهنية تلافياً لجرّهما لصِدام مع الولايات المتحدة وأساطيلها، إلى إشعال «أيام قتالية» – برزت خشيةٌ من أن يكون تصعيد الساعات الماضية تمهيداً لها – مع «حزب الله» بغية فرْض إخراج جبهة الجنوب «من الخدمة» على الساخن، برزت أمس دعوة الصين مواطنيها إلى مغادرة لبنان في «أسرع وقت».

وأفادت السفارة في بيان، «في الفترة الأخيرة يستمرّ الوضع عند الحدود بين لبنان وإسرائيل بالتوتر، والأوضاع الأمنية في لبنان خطرة ومعقدة»، موضحة أن «مستوى الخطر الحالي للسفر إلى جنوب لبنان والنبطية هو أحمر (مستوى الخطر الأعلى) وبرتقالي في المناطق الأخرى (خطر مرتفع)».

«اليونيفيل»

في موازاة ذلك، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن «الاتصالات التي نقوم بها بشأن التمديد لقوات اليونيفيل أظهرت تفهُّماً للمطلب اللبناني بوجوب الإبقاء على مهامها كما كانت عليه وعدم إدخال تعديلات من شأنها تعقيد الأوضاع المتأزمة أصلاً. ونأمل أن يصار إلى ترجمة هذا التوجه قبل نهاية الشهر للحفاظ على دور اليونيفيل ومهامها في جنوب لبنان».

وفي سياق متصل، حذّر وزير الخارجية عبدالله بوحبيب من أنه «في حال فشلت المفاوضات بشأن غزة فإن الوضع قد يخرج عن السيطرة في المنطقة».

وجاء موقف بوحبيب خلال اتصال هاتفي تلقاه من وزيرة خارجية اليابان يوكو كاميكاوا، الذي أكد «أن طوكيو تراقب بقلق بالغ الوضع في الشرق الأوسط وتدعو الأطراف كافة للامتناع عن التصعيد وتجنيب المنطقة حرب شاملة»، متمنياً على بيروت «الطلب من حزب الله عدم التصعيد».

هجمات مُتبادلة

ولم تحجب هذه التطورات وقائع الميدان الذي التهب فجر أمس، مع شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي سلسلة غارات عنيفة جداً استهدفت بلدات وقرى في جنوب لبنان وأحدثت ارتجاجات كبيرة.

وكتب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي على منصة «إكس» أمس: «في هجوم واسع النطاق: هاجم جيش الدفاع ودمّر أهدافاً لحزب الله في أكثر من 10 مناطق مختلفة في جنوب لبنان، ومن بين الأهداف مخازن أسلحة، مبانٍ عسكرية، ومنصة إطلاق استخدمها حزب الله لتنفيذ عمليات هجومية ضد دولة إسرائيل».

في المقابل، شنّ الحزب، سلسلة عمليات بينها «هجوم جوي بسرب من المسيّرات الانقضاضية على تموضعات ‏لجنود العدو الإسرائيلي في مستعمرة كريات شمونة وأصابت أهدافها بدقة».‏