كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
نفذ عدد من السجناء تمرداً محدوداً داخل سجن القبة في طرابلس متهمين القوى الأمنية المسؤولة عن حماية السجن بـ«مضايقتهم وتعذيبهم وإلحاق الأذى الجسدي والمعنوي بهم لأسباب طائفية»، في حين نفى مصدر أمني هذه المزاعم، وأكد أن «إشكالاً نشب مع موقوفين آخرين، وأن السجناء المنتفضين استغلّوا هذا الإشكال وزعموا تعرضهم للتعذيب، وخلق واقع غير موجود أصلاً».
وشهدت إحدى زنزانات سجن القبّة حالة تمرّد لنزلائها ليل الأربعاء؛ إذ أقدم أكثر من 30 سجيناً على تشطيب رؤوسهم وأجسامهم بآلات حادة، ووزّعوا مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظهروا فيها مضرجين بالدماء وبعضهم ملقى على الأرض والدم يسيل منهم، وادعوا أن القوى الأمنية «داهمتهم واعتدت عليهم بالضرب، ما تسبب بجروح خطيرة لبعضهم، وانتزاع هواتف كانت بحوزتهم؛ لأنهم من الطائفة الشيعية».
وأكدت مصادر من داخل السجن لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يحصل أي احتكاك مع السجناء الذين ظهروا بالصور ومقاطع الفيديو المعممة، وأن هؤلاء استغلوا عملية نقل بعض السجناء إلى سجون أخرى، في حين يتم تجاهل طلباتهم لنقلهم إلى سجن روميه المركزي أو أي مكان آخر خارج مدينة طرابلس البعيدة نسبياً عن مناطقهم، وثمة صعوبة لزيارة ذويهم لهم».
ودائماً ما تشهد السجون اللبنانية حركات احتجاج وتمرّد متفاوتة العنف والتأثير، تحت شعارات ومطالب مختلفة، منها ما يتعلّق بتحسين ظروف السجناء، وبعضها يطالب بتخفيض مدة السنة السجنية، لكن المطلب الدائم والأكثر إلحاحاً يكمن بإصدار قانون العفو العام، الذي دائماً ما تعد به القوى السياسية والكتل النيابية عند كل استحقاق أو انتخابات.
وبعد انتشار فيديو السجناء بشكل واسع، أوضح مصدر أمني أنه «لا يوجد أي إشكال بين هؤلاء السجناء وإدارة السجن أو المسؤولين عن حمايتهم، بل المشكلة مع سجناء آخرين يمارسون البلطجة ويفرضون الخوّات (ابتزاز الأموال) على زملاء لهم في زنازين أخرى». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه «لدى مداهمة هؤلاء السجناء المشكو من تصرفاتهم في السجن ومصادرة عدد من الهواتف الجوالة والممنوعات الموجودة لديهم ونقلهم إلى سجون أخرى لأسباب عقابية؛ استغل السجناء الذين ظهروا في الفيديو الوضع وأقدموا على تشطيب أنفسهم، زاعمين أن القوى الأمنية داهمتهم وأقدمت على ضربهم وتعذيبهم لكونهم من الطائفة الشيعية»، جازماً بأن «روايتهم مختلقة، وهؤلاء استغلوا الضجّة التي حصلت مع السجناء الآخرين وزعموا مداهمتهم وتعذيبهم»، مشيراً إلى أن «أياً منهم لم يتعرض لأذى، وقد عمدوا إلى تشطيب أجسادهم للضغط على إدارة السجن بغرض نقلهم إلى سجون أخرى، وأن الجرحى الذين ظهروا في الصور والدماء تغطّي أجسامهم نُقلوا إلى المستشفى وقُدمت لهم الإسعافات وعادوا إلى الزنزانة وهم بخير».
وتطرح مسألة وضع سجناء من أبناء منطقة البقاع، وتحديداً من الطائفة الشيعية، في سجن طرابلس البعيد جداً عن مناطقهم وإقامات ذويهم، وحصرهم ضمن زنزانة واحدة، علامات استفهام عن سبب عدم وضعهم في سجون قريبة من مناطق سكنهم، لكنّ المصدر الأمني برر الأمر وأفاد بأن «هناك نوعاً من التوازن الطائفي داخل كلّ سجن؛ إذ لا يمكن فرز السجناء على أساس طائفي، وجمع طائفة معينة في سجن واحد».
أما عن وجود ما يزيد على 30 سجيناً من طائفة معينة ضمن زنزانة واحدة، فأوضح أن «هؤلاء أغلبهم من منطقة البقاع، ومتفاهمون ويمارسون عباداتهم وشعائرهم الدينية مع بعضهم، ولا يمكن وضعهم في الزنزانة نفسها مع قادة المحاور (الذين تحاربوا خلال جولات القتال في مدينة طرابلس) حتى لا تقع إشكالات فيما بينهم».