كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
توقف كثير من اللبنانيين عند التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن نقل الثقل من الجنوب إلى الشمال أي من غزة إلى جبهة لبنان، وإذا كان البعض في فريق الممانعة يرى في مثل هذه التصريحات تهويلاً للضغط على حزب الله، فإن فريق المعارضة يتوجّس من النيات الإسرائيلية العدوانية ويعتبر أن تل أبيب التي تتحيّن فرصة الرد من قبل حزب الله وطهران على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية لتوسّع الحرب، سعت في الأيام القليلة الماضية إلى استفزاز حزب الله عبر ضرب مخازن أسلحة له في البقاع لاستدراجه إلى توسيع رقعة التصعيد وتحقيق مبتغاها.
إلا أن حزب الله المدرك النيات الإسرائيلية، ما زال يزن قراراته بميزان الحكمة من أجل تجنيب بيئته الحاضنة الأضرار الكبيرة التي يمكن أن تحلق بها جراء أي رد انفعالي، وتقول أوساط قريبة من الحزب «إن القيادة تعرف الظرف السياسي والدولي والتوازنات الداخلية وتضع كل ذلك في حسبانها والقيادة ليست جماعة هاوية منفعلة أو استعراضية وهي من يتم الاعتماد عليها بعيداً عن حملات التهويل والوعيد».
وما يعزّز احتمالات التصعيد الذي يتخوف منه البعض هو وصول مفاوضات القاهرة والدوحة إلى شفير الفشل على الرغم من بذل الجهود الكبيرة لتحقيق إنجاز دبلوماسي وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي يتم بثها من حين إلى آخر. إضافة إلى ما يرافق هذه المفاوضات من تجدد للتهديدات ضد إسرائيل وآخرها ما صدر عن زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي، الذي أعلن ان الرد آت من جبهات المحور وسيكون موجعاً ومؤثراً، وان التخطيط لذلك هو أحد أسباب التأخير.
وإذا كانت الغارات والمواجهات العسكرية رغم حدتها أحياناً بقيت لغاية تاريخه مضبوطة، إلا أن أي خطأ غير محسوب وأي تفلّت يمكن أن يجرّ إلى ما لا تُحمد عقباه. وأبدى البعض تخوفه بعد مشاهد النيران التي اندلعت في قرية كسترين وإصابة عدد من المنازل نتيجة صواريخ حزب الله. فيما قناة «المنار» هلّلت لهذه المشاهد التي رأت فيها «إحتراقاً لمنابر التهويل الصهيونية ضد لبنان وشواهد إضافية على حجم الدمار الذي يمكن أن يصيب مستوطنات ونفوس وبنيان المجتمع الصهيوني» مضيفة «ان فعل المقاومة بالاسناد والدفاع قد دفع المستوطنين للتصريح بوجه الملوحين بحرب ضد لبنان: «اعتبروا من كتسرين..ليمتزج هذا الرعب مع صفارات الانذار التي تدق مسامعهم على امتداد الليل والنهار، حتى باتوا يصرخون بأن الاستنزاف النفسي والأمني لم يعد يطاق..وان استمرت حرب الاستنزاف هذه مع حركة حماس وحزب الله فإن إسرائيل ستنهار بغضون عام واحد حسب مفوض شكاوى الجنود السابق في الجيش العبري والجنرال الشهير اسحاق بريك».
أكثر من ذلك، علّق عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله على التهويل الذي يمارس على اللبنانيين بعنوان الحرب الواسعة والشاملة، فرأى «أن العدو ليس مطلق اليدين، وليس حراً في التصرف كيفما يشاء، ولو كان قادراً على خوض هذه الحرب لخاضها منذ اليوم الأول» مضيفاً «منذ عشرة أشهر وهذا التهديد والتهويل قائم، والمقاومة تتعاطى معه بمستوى المسؤولية المطلوبة، وهي جاهزة وحاضرة ومستعدة لكل احتمال منذ عشرة أشهر».
ويأتي موقف فضل الله مغايراً للانطباع القائل إن لبنان أمام أيام مصيرية: فإما هدنة في غزة تنسحب على الجنوب والبقاع وإما حرب واسعة. في وقت يراهن لبنان الرسمي على التمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان ليشكّل مرتكزاً وحافزاً لخفض مخاطر الحرب التي قد تكون محدقة بالبلد قياساً إلى تصاعد حدة الغارات الإسرائيلية وردود حزب الله عليها التي تنبئ بالأسوأ.
يبقى أن موضوع الانتخابات الرئاسية الأمريكية دخل على خط المواجهات حيث يسود اعتقاد أن الرئيس جو بايدن يريد تحقيق إنجاز وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى لحسابات انتخابية قبل اختتام ولايته وكي تستفيد من هذا الإنجاز المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس، لكنه في الوقت ذاته يتحاشى زيادة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعدم إغضاب الناخبين اليهود في حملة هاريس. في وقت يبدو أن نتنياهو يعتبر إدارة بايدن راحلة بعد شهرين ويفضّل عدم منح هذه الإدارة هدية في غير توقيتها بل الانتظار حتى موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، مع أمله في فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يتوقع مسندته في أي مواجهة مع إيران وحزب الله.