كتب عبد الفتاح خطاب في “اللواء”:
لا يختلف إثنان على مناقبية الرئيس سليم الحص (رحمه الله)، ووطنيته، وعلوّ همّته، وسمو أخلاقه، ونزاهته، ونظافة كفّه، وهو دون شكّ ضمير لبنان، وظاهرة فريدة بين السياسيين اللبنانيين، وعلامة فارقة في الحياة السياسية في لبنان.
لكن بلادنا، ويا للأسف، طائفية مذهبية مناطقية عشائرية حتى العظم، وستبقى هكذا حتى إشعار آخر. وزاد في الطين بلّة أن الدستور والمواثيق الوطنية والقوانين والأعراف والعادات كرّست هذا الواقع الأليم.
ومن هذا الواقع والإطار، تجيء نظرة الطائفة السُنيّة منذ قيام لبنان إلى رئيس الوزراء باعتباره ممثلهم كمذهب، وحامي مصالحهم ودورهم ومشاعرهم وحقوقهم. ومن هذا المنطلق بحث البيارتة عن زعيم يقودهم ويرتّب أوضاعهم ويؤمّن خدماتهم ومطالبهم وشؤونهم الحياتية. وساهمت اقتناعات رئيس الوزراء البيروتي سليم الحص ومفاهيمه وأخلاقه ونزاهته وأسلوبه وطباعه في إبعاده عن الأدوار المشار إليها، ولذلك دفع في آخر انتخابات نيابية خاضها، جزءاً من فاتورة موقفه وأدائه ، الرئيس سليم الحص، ومن باب رؤيته التنموية والتنظيمية والتطويرية، ألغى مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت حيث دُمِجَ بمجلس الإنماء والإعمار، وهكذا حُرِمت بيروت من مجلس خاص بها أسوة بغيرها من المناطق.
ولأن الرئيس الحص «حقّاوي» فقد أخرج من الأدراج آلاف طلبات نقل الإقامة إلى بيروت ووقعها، وكانت مجمّدة هناك ليس من باب النكاية، ولكن كي لا تُسبب خللاً ديموغرافياً.
في التسعينات كانت اعداد العائلات الشيعية في الباشورة ١٤٠٠ عائلة، وتم نقل قيد نفوس الشيعة بأعداد كبيرة حين تمّ تسجيل أبناء القرى السبع في بيروت، واليوم أصبح عددها أكثر من ثلاثة آلاف عائلة شيعية.
عندما كانت بيروت ٣ دوائر كان الثنائي الشيعي يحصل على مقعد واحد من مقعدين، أما في القانون الجديد فقد أصبح الثنائي يفرض مرشحينه الشيعة، وينتخب نوّاب السُنّة والأرمن الأرثوذكس!
ربما اعتقد الرئيس الحص أن سُنّة بيروت خذلوه، ولكن بينهم من يعتقد أنه خذلهم في إطار اللعبة السياسية اللبنانية، وعلى وجه الخصوص توقيعه بعض المراسيم والقرارات قبيل مغادرته بأيام معدودة لموقعه في مجلس الوزراء.
باختصار … كان الرئيس سليم الحص نمطاً سياسياً ورجل دولة غير مناسب للبنان الطائفي العشائري الفاسد، ولزماننا الرديء … رحمه الله وطيّب ثراه.