جاء في “الراي”:
لم تكد بيروت أن «تلتقط أنفاسَها» مع مرورِ الردّ على اغتيالِ القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت والضربةِ الاستباقية من إسرائيل وكأنهما «زوبعة في فنجان»، حتى عاد التحسّبُ لِما سيكون على جبهة الجنوب والذي لا يمكن استشرافُه إلا في ضوء «نهايات» حرب غزة والتفاهم على مرتكزات «اليوم التالي» لها وعلى آلياتٍ لإدارته يسعى «محور الممانعة» من خلال «تفعيل» ساحاته، خصوصاً من لبنان، أن يكون «شريكاً» فيها كما في مجمل ما قد يُستولد للمنطقة من تحت حُطام القطاع الذي صار رماداً من دم ودمار.
ومع عودةِ جبهة الجنوب إلى «قواعد المشاغَلة» التي حكمَتْها منذ 8 تشرين الاول، من جانب «حزب الله»، والتي توسّعت «بانضباطٍ» وفق معادلةِ الارتقاء في العمليات تبعاً لتطوير إسرائيل استهدافاتها، فإنّ تل أبيب لم تهدئ من ضرباتها «في العمق» يوم أمس، وتحديداً في البقاع الشمالي والغربي وصولاً إلى الحدود اللبنانية مع سورية، في إشارةٍ إلى أن «الأهداف الأصلية» لغاراتها وقصفها مازالت نفسها، وأبرزها واحدٌ تعرف أنه «مستحيل» وهو فصْل هذه الجبهة عن حرب غزة، وثانٍ لن تحيد عنه وهو الضغط بالنار لفرْض انتهاء «عاصفة الشمال» على أسسٍ تضمن عودة نازحيها الى مستعمراتهم على متن تطبيقٍ للقرار 1701 ولو بنسخةٍ محدّثةٍ لـ «التمويه» الذي طَبَعَ بندَ «جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح والمسلحين» ما دامت هزيمة الحزب بالمعنى العسكري التقليدي أو اجتثاثه بالقوة من «سابع المستحيلات».
ولم يكن عادياً أنه فيما كانت عودةُ جبهة الجنوب الى مسرح الاشتباك «المعترَف به» تتيح تركيزَ الأنظار مجدداً على حرب غزة ومفاوضات الهدنة المليئة بـ «الألغام»، ضَغَطَ بنيامين نتنياهو على «زرّ تفجيرٍ» جديد وهذه المرة في الضفة الغربية مع بدئه عملية عسكرية موسّعة مرشّحة للاستمرار لأيام وربما أسابيع، وهو ما ترك علامات استفهام كبرى حيال تشظياته على المعركة الأم في القطاع كما على كل مسار احتواء الصراع، الذي بدا رئيس الوزراء الاسرائيلي «يتقمّص» فيه إستراتيجية «وحدة الساحات» على قاعدة تَعَدُّد الجبهات التي يفتحها معاً ويخوض مواجهات متزامنةً عليها.
وفي حين انطبع تمديدُ نتنياهو «كرة النار» الى الضفة بأنه وُضع في إطارٍ «استباقي» لـ «إنشاء إيران جبهة ضد إسرائيل في الضفة، على غرار غزة ولبنان» وذلك ارتكازاً على عملية تل أبيب (قبل 10 أيام) والتي اعتُبرت «إشارة سبّاقة» لقرب انتقال «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى العمل الأمني ضدّ إسرائيل وإحياء العمليات الاستشهادية – وخصوصاً مع تأكيد كتائب «القسام» أن «هذه العمليات في الداخل المحتل ستعود للواجهة ما دامت تتواصل مجازر الاحتلال» (في غزة) – فإنّ هذا السلوك «التوسّعي» بالنار أثار الحيرةَ، وسط التعاطي معه في سياقين:
– الأول اعتباره من بعض الأوساط على أنه إجهازٌ على أي أمل ببلوغ هدنة في غزة.
– والثاني قراءته من أوساط أخرى على أنه يعكس تسليماً من تل أبيب بأن الحربَ في القطاع انتهت عملياً وأن المطلوب مدّ حزام التصعيد الى الضفة لتوسيع «حزام الأمان»، وتالياً فإن المواجهات الجديدة في جنين وطولكرم قد تشكّل «غطاء نارياً» لانسحابٍ من سقف الشروط الأعلى في ما خص هدنة غزة وتوفير مقوّمات بلوغها ولو عبر المرحلة الأولى.
ولم يكن عابراً في الوقت نفسه، إبقاء نتنياهو «الذراع الطويلة» على الجبهة اللبنانية، حيث سدّد أمس ضربات في بعلبك والبقاع الغربي وعلى الحدود السورية – اللبنانية، وقد بدت الأخيرة مرتبطة بالوضع في الضفة والذي كانت إسرائيل أطلت عليه قبل أسبوع باغتيال القيادي في «فتح» (كتائب شهداء الأقصى) خليل المقدح في منطقة صيدا على خلفية دوره «بتهريب الأسلحة الى الضفة».
فعلى نقطة تفتيش سورية قرب الحدود مع لبنان أغارت طائرةٌ مسيّرةٌ على سيارة ما أسفر عن سقوط ثلاثة مقاتلين فلسطينيين وعنصر من «حزب الله».
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارة أدّت الى «قتْل مسؤول قسم العمليات في حركة الجهاد الإسلامي فارس قاسم»، نعى «حزب الله» محمد حسن طه (من مدينة بعلبك في البقاع) الذي سقط في هذا الاستهداف.
وجاءت هذه الضربة بعد ساعات من غارة جوية أصابت شاحنة صغيرة في شمال شرقي لبنان قرب الحدود السورية ليل الثلاثاء. ونُقل مصدر أمني أن عتاداً عسكرياً كان في الشاحنة، ومن المرجح أنها قاذفة صواريخ معطوبة كانت تُنقل بغرض إصلاحها.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية بأن «مسيّرة معادية استهدفت شاحنة قبل منتصف الليل (الثلاثاء – الأربعاء، على الطريق الدولية في بلدة رسم الحدث، والتي تبعد نحو 16 كيلومتراً شمالاً عن مدينة بعلبك».
وبعد الظهر أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على مرتفعات جبل عين التينة في البقاع الغربي كما على أطراف تومات – نيحا. كما شنّ غارات على بلدات جنوبية وقصف أخرى، في الوقت الذي نفّذ «حزب الله» 3 عمليات نهاراً، إحداها رداً «على الاعتداء الذي طال منطقة البقاع ليل الثلاثاء» حيث شنّ «هجوماً جوياً بمسيرة انقضاضية على المقرّ المستحدث للواء الغربي جنوب مستعمرة يعرا».
وفي هذا الوقت، شكّل تمديد مجلس الأمن عصر أمس بالإجماع مهمة قوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة إضافية إشارةً سارعت السلطات الرسمية في بيروت إلى «الاحتفاء» بها، بوصْفها تماهتْ مع إصرار بيروت على عدم جعل التمديد، وللمرة الأولى، لمدة 6 أشهر كما جرت محاولاتٌ من إسرائيل بعدم ممانعة أميركية، علماً أن لبنان ركّز أيضاً على عدم تعديل مهمات «القبعات الزرق» والإبقاء على عملها وفق التفويض نفسه لتمديد 2023 باعتبار أن أي تغيير سيعني تعديلاً غير مباشر في القرار 1701 الذي تُعتبر اليونيفيل راعية تطبيقه مع الجيش اللبناني منذ العام 2006 والذي يبقى الناظمَ الأساسي والوحيد لأي ترتيبٍ لإخماد نار جبهة الجنوب.
ولم يكن جف بعد حبر التمديد، حتى أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «عن امتنان لبنان العميق لأعضاء مجلس الأمن والدول الصديقة والشقيقة على جهودهم الدؤوبة في تجديد ولاية اليونيفيل».
وإذ وجّه «التحية إلى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب على ما بذله في سبيل اصدار هذا القرار بما يتوافق مع المصلحة اللبنانية العليا»، أكد «ان تجديد ولاية اليونيفيل أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان، ونحن نقدر الدعم والتعاون المستمر من مجلس الأمن في هذا الصدد»، مشدداً على «التزام لبنان العمل بشكل وثيق مع اليونيفيل لمواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الاستقرار في الجنوب. كما نجدد التزام لبنان تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 1701».