كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
لا يزال خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله محلّ قراءة في انعكاسه على مسار الوضع العسكري جنوباً. وجاءت تطورات الضفة الغربية لتعكس جواً آخر يتعلق بمدى ربط الإسناد بموجة جديدة من التصعيد.
تماماً كما الرحلات الجوية التي تعطي إشعارات بتأجيل رحلاتها إلى لبنان أسبوعاً أو شهراً بعد آخر، كمؤشر على مستوى الخطر الذي يسيطر على المنطقة، هكذا أصبح وضع لبنان مع احتمالات الحرب الواسعة. لكن هل توقّف فعلاً مسار هذه الحرب، بعد موجة التصعيد التي مرت الأسبوع الفائت؟ وهل أعطى خطاب نصر الله إشارة الهدنة الواقعية، في انتظار فصل آخر من فصول الحرب التي تقترب من عامها الأول؟ لا يملك الأطراف اللبنانيون حكماً جواباً موحّداً عن هذا السؤال، وقبله عن سؤال لماذا توقف التلويح بهذه الحرب، وهل الردع المتبادل والردود التي وقعت صبيحة الأحد الفائت هي ما أوقف مسارها، أم أن رفع مستوى التهديد كان مدروساً الى الحد الذي كان يشمل كذلك حدود الحرب الواسعة، بحسب المعطيات الخارجية؟
لا يمكن التقليل من حجم التدهور الأخير الذي سبق ردّ إسرائيل وحزب الله، لكن في الوقت نفسه كان الانطباع السائد لدى دوائر ديبلوماسية غربية أن لا جنوح نحو الحرب في الوقت الراهن، في موازاة تفعيل الحركة الديبلوماسية الغربية تجاه لبنان وإسرائيل. ثمة انطباع سبق الردّين، أن الحرب لن تقع، ومن وجهة النظر الغربية فإن حجم النشاط الأميركي في المنطقة لا بدّ أنه اعطى مفعوله، كذلك فإن إيران وحزب الله كانا يعوّلان على ما يمكن تحصيله في التفاوض والاتصالات. وهذه نقطة يمكن أن ينبى عليها مستقبلاً، وهي لا تزال قائمة رغم جولات العنف المتبادلة لأن ما يمكن تحقيقه في التفاوض قد لا يتم من خلال المعارك العسكرية.
ما نتج حتى الآن أن الحرب الواسعة متوقفة على نقاط عالقة لا تنحصر فحسب بالانتخابات الأميركية، رغم أنها في قمة هذه النقاط. ومنها تعامل إسرائيل مع الملف الفلسطيني برمّته من غزة الى الضفة الغربية، وليس على القطعة، ومع ملف حزب الله في لبنان. الإحاطة الشاملة تعني أن إسرائيل تستفيد من فرصة خلقتها حرب غزة لوضع يدها على الملف الفلسطيني بساحاته وحيثياته. وترى في حرب الإسناد من جنوب لبنان مناسبة كذلك لنقل الوضع الجنوبي الى مرحلة أخرى، تتعدى التهدئة الظرفية التي يمكن أن تنتج من أيّ تسوية موقتة.
في الساعات الأخيرة، رحب لبنان بالتمديد للقوات الدولية. لكن التمديد لا يحمل في طيّاته أيّ تحول إيجابي في مسار الحدث الجنوبي كي يبنى عليه مستقبلاً. حتى إنه لم يحتج الى خوض معركة حوله كما حصل في السنوات الأخيرة. لا التمديد قادر أن يوقف احتمالات الحرب، ولا هو قادر كذلك على ترجمة آليات القرار 1701 الذي يفترض أن تطبّقه القوات الدولية.
ولا التجاوب مع مطلب رفع عديد الجيش جنوباً يمكن أن يساهم في تهدئة الجبهة. وكما حصل مع الترسيم البحري، فإن القرار السياسي والاتفاق الإقليمي – الدولي قادر على نقل الجبهة جنوباً الى حالة مختلفة ولو بواسطة فرقة صغيرة من الجيش اللبناني وليس من خلال القوة الدولية. لكن التجديد هو جزء من مسار تطبيعي للوضع بين لبنان وإسرائيل. لكن ما يمكن ترقّبه هو الحالة الأخرى التي سيقبل عليها التفاوض حول الترتيبات الأمنية جنوباً حين تحين لحظة التسوية. وهي التي يرجّح أن تتخطى القرار الدولي 1701 بمفاعيله الأمنية والسياسية. وهذا تماماً ما تسعى إليه إسرائيل والولايات المتحدة، ولن يكون حزب الله بعيداً عن تخطّي القرار 1701 بمفاعيله السياسية والقرارات الدولية المشمولة فيه كالقرار 1559.
هذا كله لا يعني أن الحرب الواسعة أصبحت وراء لبنان والمنطقة، لكن العبرة دائماً في اللحظات المناسبة التي تقع فيها الحرب أو يتمّ تفاديها. حتى الآن، لم تعد الأنظار موجّهة الى جولات التفاوض حول وقف النار، فالأميركيون لم يضغطوا على إسرائيل على حدّ ما نقل عن تصرف رئيس الاستخبارات الأميركية وليم بيرنز، والدول الخليجية، ولا سيما السعودية والإمارات لم تتدخّلا بقوة لأنهما في مكان ما لا تريدان أن تعطيا لقطر دوراً متقدماً، في إيجاد حلّ لإزمة متشعبة. والدور المصري متأرجح على أكثر من مخرج يعوّل عليه مستقبلاً في نظرته الى العلاقة مع القوى الفلسطينية. وتوسيع إسرائيل دائرة النار إلى أكثر من جبهة يراد منه توجيه رسائل عن القدرة العسكرية على فتح أكثر من جبهة ومحاولة الاستثمار الى الحدّ الأخير في نقل الصراع مع كل خصومها من مستوى الى آخر، مهما كان شكله، مؤكدة توجّهها الى الجمع بين الساحات كلها في هدف واحد. وإذا كان الحدث العسكري في لبنان لا يزال يضع حدوداً تحت السيطرة لأن الحزب أعطى إشارة الى تطبيع الوضع، تكمن المشكلة في ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل فتخرق مجدداً الخطوط الحمر، وتخرج عن السياق المرسوم، فاتحة المجال مرة جديدة الى الدخول في احتمالات الحرب الواسعة.