IMLebanon

أهالي المعتقلين في السجون السورية: إذا راحوا بدنا الرفات!

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

ما لم يقله أهالي المعتقلين في السجون السورية منذ أكثر من 50 عاما تجرأوا على قوله اليوم:” منعرف إنو ولادنا موجودين بالمعتقلات السورية. ومتأكدين من ذلك باعترافات المعتقلين المحررين. ومنعرف إنو ولادنا تعرضوا للتعذيب والتنكيل والمرض والبرد والجوع والذل وعاشوا لحظات تمنوا فيها الموت. بس اللي متأكدين منو اليوم وأكتر من أي يوم مضى إنو ولادنا ماتوا إما تحت التعذيب أو بسبب المرض والجوع والعجز…مع ذلك بدنا رفاتن وإلا راح نضل نطالب على رغم نفي السلطات اللبنانية بوجود معتقلين بالسجون السورية وإنكار النظام السوري وجود 622 معتقلا لبنانيا بأقبية التعذيب”.

كلمات كان لا بد من نقلها كما وردت على لسان زوجة معتقل في السجون السورية وتحديدا في اليوم العالمي للمعتقلين والمفقودين قسرا في 30 آب. وإذا كان الكلام اليوم عن المعتقلين في السجون السورية تحول إلى محطة سنوية أو في المناسبات، إلا أن الشموع أمام صورهم لا تزال مضاءة والصلوات تُرفع سنويا في تاريخ اليوم الذي خرجوا فيه من المنزل وصاروا إسما او رقما في ملفات المعتقلين في السجون السورية والمخفيين قسرا.

أكثر من خمسة عقود والبحث عن أحبة من دون أضرحة مستمر. رئيس جمعية سوليد –لبنان غازي عاد الذي كان يتقدم اهالي المعتقلين والمفقودين في خيمة الإسكوا على كرسيه المتحرك رحل في قلبه غصة على الأهالي الذين كانوا يلجأون إليه لسماع خبر ما عن أولادهم أو للإعتصام ورفع الصوت في وجه الدولة اللبنانية الغائبة .

رحل عاد ولم يسمع الجواب كما رحل الكثير من الأهالي وصاروا في إطار، إلى جانب صور فلذات أكبادهم. إلى أن صدر اعتراف ولو متأخر من قبل الدولة اللبنانية عبر إقرار القانون 105 عام 2018، مع تشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا” وشكل اعترافاً ضمنياً بأحقية مطلب الأهالي بجلاء مصير ذويهم. وبعد مرور عامين على القانون أصدرت الحكومة في تموز 2020 مرسوماً قضى بتعيين أعضاء الهيئة، التي شهدت استقالات متعاقبة، وآخرها رئيسها القاضي سليم الأسطا.ومن أبرز مهامها الكشف عن مصير المفقودين والمخفَين قسراً في لبنان، وتقديم الحقيقة للأهالي، والأهم منع تكرار هذه التجربة، وتحصين المجتمع اللبناني ضد هذه الظاهرة، وجمع داتا عن المخفيين قسرا.

إلى الهيئة الوطنية هناك جمعية المعتقلين في السجون السورية التي يرأسها المعتقل المحرر علي أبو دهن وهي تعنى فقط بالمعتقلين في السجون السورية.

لكن بعد مرور أكثر من 5 عقود على اعتقال واختفاء لبنانيين هل طُويَ الملف؟ نسأل أبو دهن . ” إطلاقاً. وإن كان هدف السياسيين والمسؤولين في الدولتين اللبنانية والسورية تيئيسنا وإيصال اهالي المعتقلين إلى هذه المرحلة. أما على المستوى الشخصي فمن عاش ظلم وذل المعتقلات السورية لن يستسلم وييأس”.

يتحدث أبو دهن لـ؛ “المركزية” عن الخطوة المتقدمة جدا التي حققتها “جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ” وتتمثل بإدراج ملف المعتقلين اللبنانيين في الهيئة العامة التي انشأتها الأمم المتحدة في حزيران 2023 للتقصي عن المعتقلين السوريين في السجون السورية منذ العام 2011 ويقول ” بعد إنشاء اللجنة اجتمعنا مع رؤساء الأحزاب اللبنانية حتى توصلنا إلى جمع تواقيع 47 نائبا و53 جمعية لبنانية وعربية ودولية وسلمنا الوثيقة إلى المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة في لبنان التي سلمتها بدورها إلى الأمين العام للأمم المتحدة ووافق على الطلب. لكن الوثيقة لم تتضمن تاريخ الإعتقال ولا حتى الجنسية”.

تتألف الهيئة العامة من 7 شخصيات عالمية ومهمتها جمع داتا المعلومات عن كل معتقل ليصار إلى التعويض على الأهالي ماديا ومعنويا. لكن ماذا عن مصير ال622 معتقلا في السجون السورية وهذا هو الأهم؟ يجيب أبو دهن” بالنسبة إلى المعتقلين هناك داتا كاملة لدى الجمعية لكن تنقصنا داتا المعتقلين المحررين من السجون السورية للبت في مسألة التعويضات، بعدما رفضت الدولة اللبنانية إقتراح القانون المقدم لدى مجلس النواب عام 2009 لمساواتهم بالمعتقلين المحررين من السجون الإسرائيلية”. وعلى رغم العوائق المادية التي تحول دون الإسراع في جمع داتا المعتقلين المحررين من السجون السورية، إلا أننا مستمرون في العمل ولو بشكل بطيء خصوصا أنه يتم عبر التواصل غير المباشر والتخابر”.

ويلفت أبو دهن إلى التعاون الحاصل مع الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا “لكن العقبات كثيرة لا سيما من جهة الدولة اللبنانية التي ترفض التعاون معنا من خلال الوزارات المعنية لا سيما وزارات العدل والدفاع والداخلية. وفي ما خص الدولة السورية فهي لا تزال تنفي وجود معتقلين لبنانيين في سجونها كما رفضت دخول أعضاء لجنة الهيئة العامة للأمم المتحدة إلى السجون السورية”.

يبحث الباقون على قيد الحياة من أهالي المعتقلين في السجون السورية اليوم عن أسماء فلذات أكبادهم. ففي قرارة أنفسهم يدركون أنهم “راحوا” لكنهم لا يجرؤون على لفظ هذه العبارة. “لكن حتى لو بقي معتقل واحد من أصل 622 لن نتوقف عن المطالبة بعودته ونصر على تسلم رفات الباقين من السلطات السورية. في النهاية لا يموت حق وراءه مطالب. لكن على الدولة اللبنانية أن تصحو من سباتها وتنظر في هذا الملف الإنساني حتى يلقى صوتنا وصرخات أهالي المعتقلين الصدى المطلوب” يختم ابو دهن.