جاء في “الجريدة”:
هل أصبح لبنان على سكة الخروج من «حرب المساندة» التي أطلقها «حزب الله» لدعم حركة حماس بقطاع غزة في 7 تشرين الاول الماضي؟ سؤال جرى تداوله بكثافة في الكواليس السياسية والدبلوماسية، مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل منذ تنفيذ الحزب ردّه المضبوط على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، ودعوة أمينه العام حسن نصرالله الجميع الى الهدوء و»العودة إلى المنازل» وممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
عملياً، تراجعت منذ أسبوع وتيرة العمليات العسكرية بشكل كبير في الجنوب اللبناني، رغم عدم الإعلان عن أي اتفاق، وقد يكون ذلك مرتبطاً بالمسارات الدبلوماسية والسياسية المفتوحة بين إيران والولايات المتحدة.
وتشير مصادر دبلوماسية مواكبة لمسارات التفاوض إلى أن الإدارة الأميركية الديموقراطية نجحت في الوصول مع إيران إلى تفاهم لتأجيل الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب طهران، على أمل أن يساعد ذلك مرشحة الحزب كامالا هاريس في الوصول الى البيت الأبيض، بالتزامن مع تحضير الأرضية لاستئناف مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وغيره من الملفات، وهو ما يتطابق مع كلام المرشد الإيراني علي خامنئي عن وجوب «التعامل مع الأعداء»، ومع عدول وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف عن استقالته.
وتريد واشنطن من المفاوضات المفتوحة مع إيران تجنّب حصول أي تصعيد إقليمي، وتجميد «جبهات الإسناد» لإبقاء الباب مفتوحاً أمام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ومبادلة الرهائن والأسرى والمحتجزين، وهو ما سينعكس على أداء حزب الله العسكري، خصوصاً أن الحزب يتماهى مع هذه التطورات، على الرغم من إعلانه الاستمرار في «إسناد» غزة، لكن بوتيرة منخفضة جداً.
ومرر نصرالله رسائل كثيرة تتطابق مع هذا المسار، أولاً من خلال دعوة الناس إلى عدم الخوف والهدوء والعودة إلى بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية، وثانياً من خلال تأكيده أن الحزب عمل على تغيير أماكن الصواريخ البالستية والدقيقة، وهو ما يعني ضمنياً إبعادها عن مناطق الجنوب وتحديداً جنوب نهر الليطاني.
كل ذلك انعكس بوضوح على تراجع مسار المواجهة وانخفاض كثافة النيران اليومية بين الحزب والإسرائيليين، وهو ما يعطي المزيد من الدفع للديناميكية السياسية، خصوصاً أنه في كل الكواليس اللبنانية والدولية يُشار إلى أن الاتفاق حول ترتيب الوضع في جنوب لبنان جاهز وفق المقترح الأميركي، ولكن ينتظر وقف إطلاق النار في غزة لتطبيقه.
في المقابل، لا يزال سلوك إسرائيل يظهر رفضها لأي مسار سياسي أو دبلوماسي، وهو ما يفرض الكثير من التحديات على المفاوضين أو الوسطاء، وبالتالي فإنه يرجح أن تبقى المنطقة فترة طويلة في حالة الاستنزاف القائمة، مع مواصلة حكومة بنيامين نتنياهو التصعيد في قطاع غزة والضفة الغربية، أما جبهة لبنان فستكون في حالة انتظار طويل لما ستسفر عنه نتائج الحرب في فلسطين، أو الديناميكية السياسية بين إيران وأميركا، والتي يمكنها أن تنعكس تهدئة تدريجية على الحدود الجنوبية، بالتكامل مع أي مسار سياسي داخلي برعاية دولية، أو بملاقاة جهود ومساعي الدول الخمس المعنية بلبنان.