كتب منير الربيع في “المدن”:
تتعاطى جهات دولية وديبلوماسية مع تطورات الوضع في لبنان، وكأنه أصبح خارج دائرة الحرب الكبرى أو الموسعة. وأن جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله في 8 تشرين الأول 2023 انحسرت إلى حدود بعيدة، في نطاق جغرافي معين، محصور بالمواقع العسكرية. تتركز هذه القراءة الدولية على اعتبار عدم فصل مسار حزب الله عن مسار إيران الانفتاحي على التفاوض مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، حول الملف النووي وغيره من الملفات، وأهمها عدم تصعيد المواجهة في المنطقة وتفادي الانتقال إلى حرب إقليمية. الأمر نفسه يسري على حزب الله، الذي يريد تجنّب حرب كبيرة لاعتبارات كثيرة.
طريق جديد
ما يقوله الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول استقطاب المستثمرين الإيرانيين المغتربين وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، وتعزيز الاستثمار داخل إيران، يشير بوضوح إلى سلوك طريق جديد من قبل الإيرانيين، مع الإشارة إلى التشديد الإيراني المتكرر على تعزيز العلاقات مع الدول العربية، ولا سيما دول الخليج. ولا بد لذلك أن يرتبط بتغيير بعض المسارات في دول عديدة أبرزها، العراق، اليمن ولبنان، وسط محاولات تحييد هذه الدول عن الارتباط بحرب الإسناد، خصوصاً إثر المساعي الأميركية لوقف عمليات الحشد الشعبي، وتحييد الحوثيين عن الردّ على استهداف ميناء الحديدة، وإعادة تخفيض وتيرة المواجهات في جنوب لبنان، بعد ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي العسكري الكبير فؤاد شكر.
ذلك يتقاطع مع التركيز الإسرائيلي على العمليات العسكرية في الضفة الغربية، والاستعداد لتوسيعها، مع تسريب أخبار عن سحب قطع عسكرية إسرائيلية من الجبهة مع لبنان باتجاه الضفة. ما يضع الإسرائيليين أمام مواجهة جديدة صعبة وطويلة في الضفة الغربية، التي أصبحت تحتل الأولوية العسكرية التالية ما بعد قطاع غزة. وذلك من شأنه تأجيل أي خيار للتصعيد أو لتوسيع الحرب مع حزب الله.
وهذا ما تسعى القوى الدولية إلى العمل عليه في سبيل المضي قدماً بتخفيف حدة التوتر على الحدود الجنوبية، وسحب فتائل التصعيد الكبير، مع وجود اعتبارات دولية وديبلوماسية بأن أي هدنة يمكن الوصول إليها في قطاع غزة، يمكنها أن تفسح في المجال أمام العمل على بلورة تفاهم سياسي وديبلوماسي لترتيبات الوضع في الجنوب اللبناني.
معالم تسوية
على هذه القاعدة، بدأت بعض القوى الدولية التحرك داخل لبنان وخارجه بحثاً عن تقاطعات يمكنها أن تسهم في إرساء معالم تسوية سياسية قد تنتج رئيساً للجمهورية، لا سيما في ظل التقاطع بين الإدارة الأميركية الحالية وإيران على إيجاد نقاط تلاق حول ملفات متعددة، بينها الملف اللبناني، وذلك قبل الانتخابات الأميركية، كمحاولة لتكرار نموذج تجربة الانتخابات الرئاسية في لبنان في 31 تشرين الأول عام 2016 قبل ثمانية أيام من انتخاب دونالد ترامب.
تلك القراءة هي التي دفعت بسفراء دول اللجنة الخماسية المعنية بلبنان إلى إعادة التحرك، كل بمفرده في إطار استطلاع الأجواء، والحث على إعادة التشاور بين الأفرقاء المختلفين، بهدف خلق جو مؤات لإنتاج تسوية أو لانتخاب الرئيس، وإعادة تشكيل السلطة. ما قد يسهم في تعزيز الوضعية الديبلوماسية والتفاوضية للبنان مع المجتمع الدولي، حول آليات وقف إطلاق النار في الجنوب، ورسم ملامح الحل الديبلوماسي الذي يحتاج إلى مراحل ثلاث. الأولى، وقف العمليات العسكرية. الثانية، عودة السكان ووقف المظاهر المسلحّة والبحث في إعادة الإعمار. والثالثة، البحث في مسار تثبيت وترسيم الحدود البرية.
إنها ليست المحاولة الأولى من هذا النوع، وليس بالضرورة أن تكون المحاولة الأخيرة. لكن الهدف منها يبقى إبقاء التصعيد تحت سقف منضبط، ومنع اتساع الحرب.
حزب الله يصرّ على الإلتزام بحرب الإسناد، ويرفض أن يتزحزح عن موقفه قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. ما يعني أن كل الملفات مؤجلة بما فيها التسوية السياسية والرئاسية، خصوصاً في ظل “صراع الإرادات”، والنقاش الذي بدأ يتوسع حول “اليوم التالي” للحرب، والصورة التي يُراد رسمها للبنان. كذلك، لا يمكن إغفال أو إسقاط أي حسابات أخرى قد يفاجئ بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجميع.