IMLebanon

مسعى أوروبي متوسطي مع سوريا حول النازحين

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:

في غمرة الانشغال بتطورات الجنوب ويوميات التفاوض حول غزة، برزت مؤشرات عودة تعويم ملف النازحين السوريين، ليس على خلفيات لبنانية بل أوروبية.ففي لبنان، أضحى هذا الملف موسمياً مع تباين التعاطي فيه وفق روزنامة تعلو وتيرتها أو تخفت بحسب الأجواء السياسية والأمنية، عند وقوع أي خلل أمني أو حدث يتورط فيه نازحون سوريون. وبذلك يصبح مادة تجاذب سياسي وفق الأهواء الداخلية السياسية والطائفية وضغط جمعيات «إنسانية» من دون أي بعد وطني يتعلق بمستقبل النزوح في شكل عام. في حين أن الاهتمام الأوروبي بقي فاعلاً في الأشهر الأخيرة، ولا سيما مع وقوع أحداث أمنية نفّذها لاجئون في عدد من الدول الأوروبية، ما بدأ يثير ردود فعل ضد اللاجئين، ولا سيما مع تصاعد موجة اليمين المتشدد في الانتخابات الأوروبية وعدد من المجالس النيابية لدول الاتحاد وحتى بريطانيا، إضافة إلى رفع عواصم أوروبية عدة الصوت ضد تزايد عدد اللاجئين على أراضيها مطالبة بعودة التنسيق مع سوريا لإعادتهم إلى مناطق تُعتبر آمنة، رغم اعتراض دول أوروبية فاعلة.

في الأيام الأخيرة، حطّ في لبنان مسؤولان أمنيان، يوناني وقبرصي، لاستكمال البحث في ملف النازحين السوريين. رئيسا الاستخبارات اليونانية والقبرصية اللذان جالا مرة أخرى بعد زيارات سابقة، على قيادات أمنية وسياسية، ينطلقان من قاعدة أساسية تتعلق برغبة ثماني دول برسم خط سياسي مختلف في التعاطي مع ملف النازحين من ضمن الاتحاد الأوروبي. والدول الثماني، وهي النمسا وتشيكيا والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، سبق أن وجّهت رسالة إلى منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تدعو إلى إعادة النظر في السياسة المتبعة تجاه سوريا لوقف تدفق النازحين وتعيين موفد خاص إلى دمشق لمتابعة هذا الملف والتعامل معه بواقعية.

حتى الآن، ما تم في شكل رسمي في سياق عودة العلاقات الأوروبية مع سوريا، هو إعلان إيطاليا تعيين سفير لها في دمشق بعد قطيعة استمرت 12 عاماً. ولا شك في أن صعود اليمين وتولّيه الحكم في إيطاليا ساهما في هذه الخطوة، كما أن قراءة غربية للخطوة الإيطالية تتحدث عن رغبة أوروبية في العودة إلى مكان الحدث في الشرق الأوسط لمعاينة أكثر قرباً للأحداث في المنطقة وفي سوريا من منظار عملاني.

ما يعني لبنان أن اليونان وقبرص تتفهّمان الوضع اللبناني، وهما وإن طالبتا بإجراءات أكثر تشدداً في معالجة أسباب الهجرة غير الشرعية، فإن الجواب الأمني اللبناني لا يزال هو نفسه، أي المتعلق بسياسة أوروبية حازمة، وبوقف الإحاطة والدعم غير المشروط. أما مساعدة لبنان على تحمل أعباء النازحين فلا تعفي الدول الأوروبية من تفهم انعكاس هذا النزوح على البنية الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية التي ترزح تحت وطأته إضافة إلى الهم الأمني المشترك مع أوروبا في التخوف من تصاعد عناصر أصوليين من ضمن موجات نازحة. وبقدر ما أن الأجوبة اللبنانية شدّدت على أن لبنان يفعل ما في وسعه لمنع تدفق النازحين، إلا أن الهجرة غير الشرعية قادرة على التسرب أسوة بكل ما يحصل عبر الحدود الأوروبية التي تملك من التقنيات والتدابير الأمنية ما لا يملكه لبنان قطعاً، علماً أن في لبنان من يرفض تلبية المطالب الأوروبية لصالح فتح أبواب هجرة النازحين بحراً بعدما أثقلوا الوضع اللبناني، وليتحمل الأوروبيون تبعات سياساتهم.

وتتحدث معلومات عن احتمال انتقال أحد المسؤولين الأوروبيين من بيروت إلى دمشق، كخطوة، اذا تمت فعلاً، تُعد خرقاً جديداً في ملف النازحين، نتيجة رغبة دول المتوسط التي تعاني أكثر من دول الشمال الأوروبي من تأثيرات الهجرة إليها، رغم أن بعضاً من دول الشمال والعمق الأوروبي بدأت أيضاً تتعاطى بجدية وبقراءة عكسية لواقع النزوح، وللعلاقة مع سوريا.

وبحسب المعطيات فإن الموقف الأوروبي المستجد، يمكن أن يشكل ثغرة للبنان ينفذ منها في حال استطاعت هذه الدول إقامة صلات مع سوريا في شأن المناطق الآمنة، رغم أن ثمة اعترافاً بأن ملفاً بهذا الحجم يتعلق بالولايات المتحدة وبدول صناعة القرار الأوروبي، ولن يكون ممكناً اتخاذه من بعض الدول، علماً أن هذه تراهن على أن ما يحصل مثلاً في ألمانيا من تطور في التعاطي مع النزوح يمكن أن يشكل ردة عكسية، تماماً كما تحاول بعض الدول كالمجر التصرف إفرادياً من أجل الحفاظ على استقرار أوضاعها. وفتح قبرص واليونان ثغرة في هذا الملف يمكن البناء عليه لبنانياً، إذا انتقلت معاينة الملف من الحسابات الضيقة إلى سياسة أكثر واقعية في الاعتراف بتنامي النزوح وانفلاشه أمنياً واقتصادياً واجتماعياً من دون الأخذ بتأثيرات عمل الجمعيات غير الحكومية وبفتحها أبواب الدعم غير المشروط للمدافعين عن بقاء النازحين في لبنان.