كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
بعد شهرين ونصف شهر من قبول مجلس الوزراء استقالة رئيس مجلس إدارة مستشفى بنت جبيل الحكومي الدكتور توفيق فرج، كلّفت وزارة الصحّة لجنة مؤقتة من رئيس وثلاثة أعضاء بإدارة المستشفى، كون تعيين مجلس إدارة أصيل يفترض توافقاً وعبوراً بمجلس الخدمة المدنية. وبذلك يلتحق مستشفى بنت جبيل الحكومي بكثير من المؤسسات الحكومية التي تتولى إدارتها لجان مؤقّتة.وإذا كان هذا أقصى ما يمكن أن تفعله الوزارة لتسيير هذا المرفق العام، يؤخذ على القرار أنه لم يأخذ في الاعتبار الآلية القانونية التي تفترض أن يتبلّغ من لا يزالون يشغلون منصب العضوية في مجلس الإدارة إقالتهم بمرسوم جمهوري، إذ يفترض أن يسقط المرسوم بمرسوم وهو ما لم يحدث. ومنذ قرار تعيين اللجنة، أثيرت زوبعة حوله من العضوين الباقيين في مجلس الإدارة، الدكتور ساطع بزي والدكتور فادي علوية، كون القرار «جاء استجابة لرغبات حزبية أكثر مما هو رغبة إصلاحية ومحاولة لتسيير المرفق العام».
إلى ذلك، تجاوزت الوزارة بقرارها، وبتغطية من مجلس الوزراء، عشرات المخالفات التي ارتكبها الفريق الإداري السابق بقيادة فرج، والتي استحال معها المستشفى الذي كان مرشحاً ليكون جامعياً عقب افتتاحه عام 2010 إلى مستوصف جلّ أقسامه معطّل، ولا يستقبل سوى عدد ضئيل من الحالات، رغم أن ظروف الحرب الحالية تفترض أن يكون مجهّزاً لاستقبال الجرحى والمصابين. هذه الضآلة لا علاقة لها بتأثيرات الحرب، وإنما بمسار من الفوضى امتدّ لسنوات. ورغم وجود إخبارات أمام القضاء، لم تجر وزارة الصحّة أو مؤسسات الرقابة أي تحقيق حول المخالفات، ومنها إقامة مديره المستقيل في الولايات المتحدة، فيما يقتصر عمله في المستشفى على أوقات زيارته للبنان، مكلّفاً أحد مساعديه بالقيام بكل أعماله. والأمر نفسه ينطبق على عضو مجلس الإدارة الدكتور ساطع محمود بزي – المعترض على قرار اللجنة المؤقّتة – الذي يشير في نص اعتراضه إلى أنه تقدّم باستقالته عام 2021 إلى رئيس مجلس الإدارة ووزير الصحة بداعي السفر إلى الخارج وقد رفض الاثنان الاستقالة، مؤكداً أنه حافظ على عضويته رغم إقامته خارج لبنان «بعلم وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض وبموافقة منه على أن نتواصل ورئيس مجلس الإدارة الدكتور توفيق فرج ود. فادي علوية كأعضاء في مجلس إدارة مستشفى بنت جبيل الحكومي منذ تعييننا بمرسوم جمهوري (…)».
لائحة المخالفات في المستشفى الذي يُدار «أونلاين» لا تنتهي، إذ يشير أحد الإخبارات إلى القضاء إلى «توقيع شيكات الرواتب شهرياً باسم فرج رغم أنه مقيم في الخارج، ما يعني إما أنه يوقّع على بياض أو أن أحداً يوقّع عنه، وفي كلتا الحالتين مخالفة»، وفق مقدّم الإخبار المحامي حسن بزي. وينسحب الأمر نفسه على إعداد الموازنات وتوقيعها وغيرها من القرارات التي تفترض وجود رئيس مجلس إدارة لتوقيعها في لحظتها… ويستتبع ذلك سؤالاً لا جواب عنه حول آلية الصرف والإنفاق، ومن يمارس الرقابة عليها؟
أما الأسوأ من الإدارة في الوكالة، فهو تلف أحدث المعدات في المخازن، بعدما قدّمت دولة قطر للمستشفى معدات وآليات طبية «لم يكن أحدث المستشفيات الجامعية يملك مثلها»، على ما تقول المصادر وقدّرت قيمتها بما لا يقل عن أربعة ملايين دولار، إذ بقيت هذه المعدات في المخازن ولم تُشغّل حتى اللحظة، لسببين أساسيين، أولهما أنها تتطلب كادراً فنياً وطبياً متخصصاً لإدارتها لم يكن متوافراً في المستشفى وثانيهما الخلاف على آلية التوظيف: عبر المباريات أم بالتعاقد؟ وانسحب الخلاف تالياً على الحصص الطائفية والحزبية، وهذا ليس تعطيلاً للمعدّات التي تُقدر بملايين الدولارات فقط، وإنما «جريمة يتحمل مسؤوليتها المتعاقبون على وزارة الصحة، كما المستشفى»، تضيف المصادر، إذ حرم ذلك المستشفى من أن يتحول إلى مستشفى جامعي وأبقاه مجرّد مبنى قائم يضم 136 سريراً، فيما مرضاه لا يتخطّون العشرة أو أكثر بقليل. في مقابل ذلك، «تسجّل القوائم ما يفوق الـ120 موظفاً عاملاً ومتعاقداً ونحو 140 طبياً لا يحضر منهم سوى عدد قليل جداً، وخفّ الحضور كثيراً مع اندلاع الحرب».