جاء في “الراي الكويتية”:
ليس أدلّ على أن المنطقةَ تقف أمام مفترقٍ شديد الخطورة من تبديل وُجهة الجهود الدبلوماسية، من توفير أرضية «اليوم التالي» لحرب غزة وأخواتها – لاسيما جبهة لبنان – ومرتكزاتها السياسية والأمنية إلى كيفية احتواءِ «اليوم التالي» لإعلان انهيارِ مفاوضاتِ الهدنة في القطاع ومنْعِ انفجارِ صراعٍ شاملٍ لا أحد يمكنه تقديرُ تشظّياته على عموم الاقليم الذي يقيم فوق أفواه براكين نشطة.
وفيما كان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال سي كيو براون، الذي زار اسرائيل أول من أمس الأكثر تعبيراً عن هذا الواقع بكلامه لصحيفة «فاينانشال تايمز»، عن أنه يفكّر في ما «إذا تعثّرت المحادثات أو توقفت تماماً، والأمور التي يتعيّن علينا القيام بها للاستعداد» موضحاً أنه يدرس كيفية استجابة الفاعلين الإقليميين إذا فشلت المحادثات، و«هل سيزيدون نشاطاتهم العسكرية ما قد يؤدّي إلى مسار من سوء التقدير واتساع الصراع»، فإنّ وقائعَ الميدان بدا أنها سبقتْ «دبلوماسيةَ التحضير» لتَفادي الأسوأ وأعطتْ مؤشراً لتحفُّزٍ واضح من اسرائيل خصوصاً لملء فراغِ الحلول بعمليات عسكرية توسُّعية متعددة الجبهة وفق الآتي:
– أول الغيث شكّله الارتداد الى الضفة الغربية، وصولاً لأعنف الهجمات الجوية في سورية (ليل الاحد – الاثنين) ضدّ أهداف مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وتطوير صواريخ ومسيّرات.
– بدء إعداد المسرح على جبهة لبنان لقرار «تغيير الوضع في الشمال» كما «قَرَعَ ناقوسَه» بنيامين نتنياهو نفسه، وذلك عبر انفلاش الغارات المدّمرة في الجنوب مستهدفة ما تزعم تل أبيب أنه منصات صواريخ لـ «حزب الله» تريد تحييدها، سواء لقطْع الطريق على استخدامها هجومياً ضدها، أو دفاعياً بوجه ما تهدّد بأنها تحضّره لضمان عودةٍ آمنة لسكان المستوطنات الحدودية مع «بلاد الأرز» إلى منازلهم وإبعاد الحزب عن «نوافذ» بيوتاتهم.
وفي حين اعتُبر كلام المرشد الأعلى في إيران السيد على خامنئي عن أن «لا ضير في التراجع التكتيكي أمام العدو» و«التراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي»، غطاءً لاستراتيجيةِ الصبر الإيراني في الردّ على اغتيال اسماعيل هنية في قلب طهران وربما في مقاربة فصولٍ أخْرى آتية، انطلاقاً من «ردْعٍ ذاتي» تمارسه إيران عن أي انغماسٍ في مواجهةٍ شاملةٍ قد تضعها وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة أو تقوّض كل بنيان النفوذ الذي راكمته في ساحات المحور المترامي حتى المتوسط، فإنّ هذا الانضباط الواقعي تحت سقف موازين، لمّح إليها أيضاً «حزب الله» وقيادته، ليس كافياً للاطمئنان إلى أن صِداماً شاملاً لن يقع، ذلك أن أي حربٍ واسعة يمكن أن يشعلها إما قرار كبير يلاقيه طرفا «تانغو المرقّط»، وإما خطأ كبير يجرّ الجميع إلى حيث لا يريدون أو لا يرغب أقلّه أحدهم.
وإذ كانت مناخاتٌ تتحدث عن أن ثمة مَن يثير في واشنطن جدوى طرْح المقترح الأميركي الجديد حول هدنة غزة في ضوء التشكيك العميق في فرص التوصل الى اتفاقٍ، وفي الوقت الذي برز تحذير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من الرياض من أن الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية كبرى، بدا أن لبنان الرسمي يتحسّب بدوره لمرحلة مديدة من التعايش مع حربٍ مضبوطة كما لاحتمال اندفاع اسرائيل، التي يتصرف رئيس وزرائها وكأنه «تنين هائج»، نحو تنفيذ تهديداتها بحملة واسعة على «حزب الله»، وذلك من خلال محاولة إيجاد ناظِمٍ عبر مجلس الأمن لتحييد المدنيين وحضّ اسرائيل على وقف النار على جبهة الجنوب ولو بقرارٍ منفصل عن الـ 1701 الذي يشكّل المرتكز لـ«اليوم التالي» للحرب ويتمسّك المجتمع الدولي به «حرفياً» وبلا أي تعديل.
من هنا جاء الاجتماع الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس مع السفراء والقائمين بأعمال سفارات الدول الأعضاء في مجلس الأمن بحضور عدد من الوزارء، وأكد فيه الحاجة «إلى أن يتخذ المجلس إجراءات أكثر فاعلية وحسماً في معالجة الانتهاكات والهجمات الاسرائيلية على المدنيين اللبنانيين»، معتبراً أنه «يجب أن تكون استجابة مجلس الأمن سريعة وقوية وتهدف إلى حماية المدنيين الأبرياء وعناصر الدفاع المدني الذين يبذلون قصارى جهدهم لتخفيف آلام المدنيين».
الـ 1701
وإذ دعا ميقاتي في الاجتماع، الذي كُشف فيه أن 20 في المئة من الأراضي اللبنانية أصبحت عرضة للاعتداءات الإسرائيلية، «مجلس الأمن لتحمل مسؤوليته في المحافظة على القانون الدولي والأمن من خلال محاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين اللبنانيين»، مشدداً على أنّ «لبنان يؤكد التزامه بالسلام والاستقرار وحماية شعبه»، أثار كلام وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بعد اللقاء التباساً خصوصاً لجهة إعلان أن أي قرار سيصدر بوقف النار «سيكون قراراً جديداً وليس نسخة معدّلة من الـ 1701»، وسط صعوبة تَصَوُّر أن تكون بيروت تتراجع عن تمسُّكها بهذا القرار ووجوب تنفيذه من اسرائيل بكل مندرجاته كمدخلٍ لعودة التهدئة الى الجنوب.
وقال بوحبيب: «تم الاتفاق خلال الاجتماع على عدم استعمال كلمة، عدم التصعيد، انما علينا استعمال كلمة، وقف الاعتداءات. نحن كحكومة نريد وقف النار ووقف الحرب، وابلغنا غالبية المعنيين استعدادنا للقيام بمفاوضات غير مباشرة مع الاسرائيلين من اجل ذلك».
وأضاف: «هناك قرار أعلنه رئيس الوزراء وهو الطلب من بعثتنا في الأمم المتحدة التشاور مع أعضاء مجلس الأمن بشأن جلسة لمجلس الأمن عن لبنان خصوصاً عن استهداف المدنيين، وسأباشر العمل على ذلك».
ورداً على سؤال، أكد «نحن مرتاحون لأن هناك دعماً دولياً للبنان، وهذا واضح في كل الاجتماعات التي حصلت، واتضح أكثر من خلال الموافقة على التجديد لليونيفيل، وهذا الذي يمنع حصول حرب شاملة في جنوبنا».
وأوضح «لم نطلب من مجلس الأمن وقف القتال، ولكن طلبْنا اجتماعاً استشارياً قد يؤدي إلى ذلك، أو يؤدي الى عدم استهداف المدنيين، لذلك نعمل على كل المنابر الدولية. نحن نتكلم مع كل الدول ومع مجلس الأمن وفي حال حصول وقف إطلاق نار يجب أن يكون هناك قرار جديد».
وأشار إلى أن «إسرائيل هي مَنْ ترفض، أما حزب الله فمن المعقول ان يرفض ولكنه ليس دولة ليقول نعم او لا»، موضحاً رداً على سؤال «أن أي قرار سيصدر بوقف النار سيكون قراراً جديداً وليس نسخة معدلة من القرار 1701».
«دقّت ساعة الشمال»
وفي هذا الوقت احتدم الميدان جنوباً بالتوازي مع استمرار الأصوات الاسرائيلية التي تتوعّد لبنان و«حزب الله»، وبينها العضو السابق في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الذي كان شارك في منتدى نقاش حول الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية (الأحد) وأعلن «دقّت ساعة الشمال، وفي الواقع أعتقد أننا تأخرنا في هذه النقطة (…) ولا أعتقد أننا في حاجة إلى الانتظار أكثر، فلدينا القدرة على القيام بذلك» بما في ذلك «ضرب لبنان إذا لزم الأمر»…
وكلام عضو الكنيست نيسيم فاتوري عن أن إسرائيل تعرف مكان اختباء السيد حسن نصرالله وان اغتياله «قد يصبح ضرورة إذا تفاقمت الأوضاع» وأن ضاحية بيروت الجنوبية ستتحول «غزة ثانية»، مضيفاً «الحرب مع لبنان قد تندلع في غضون أيام».
وكان لافتاً أمس أن «حزب الله» عمّق من استهدافاته مجدداً في اتجاه نهاريا وعكا وفعّل «الدفاع الجوي» بوجه طائرة حربية إسرائيلية أعلن أنه أطلق باتجاهها صاروخ أرض – جو «ما أجبرها على مغادرة الأجواء اللبنانية والتراجع باتجاه فلسطين المحتلة».
وسبق ذلك إصابة مبنى في نهاريا بشكل مباشر نتيجة مسيَّرة أطلقها حزب الله، قبل أن تذكر القناة 12 الإسرائيلية أن تقديرات أمنية تشير الى أن المسيّرة كان هدفها قواعد عسكرية جنوب المدينة.
كما أعلن الحزب شنّ سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية إسرائيلية بينها «هجوم جوي بأسرابٍ من المسيرات الانقضاضية على مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال عكا المحتلة مستهدفة أماكن تموضع ضباطها وجنودها وحققت فيهم إصابات مباشرة»، واستهدف «المقر المستحدث لقيادة اللواء الغربي في جنوب ثكنة يعرا بصلية من صواريخ الكاتيوشا».